الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

قوله تعالى: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } أي: من بعد انطلاقه إلى الجبل لإعطاء التوراة، { مِنْ حُلِيِّهِمْ } وهو جمع حُلِيّ، كثَدْي وثُدِيّ.

وقرأ حمزة والكسائي: " حِليهم " بكسر الحاء.

[وقرأ يعقوب بفتحها] وسكون اللام وتخفيف الياء على التوحيد.

والحُلِيّ: اسم لما يتحسن به من النقدين والجواهر.

فإن قيل: كيف نسب الحلي إليهم وكان للقبط؟

قلت: الإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة واختصاص، وقد حصل ذلك هاهنا بالعارية، لا سيما وقد هلك أصحابه وصار بيد بني إسرائيل على وجه الانفراد، على أنه قد قيل: إن الضمير في " حليهم " يعود إلى القبط. وقد تقدم ذكرهم في مواضع.

فإن قيل: المتخذ السامري وحده، فكيف نسب الفعل إلى الجميع؟

قلت: عنه ثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه نُسب إليهم لرضاهم به وإرادتهم له، فإن الفعل ينسب إلى الراضي به كما ينسب إلى فاعله، كما عيّر سبحانه اليهود الموجودين في عصر النبي بقتل الأنبياء ونسب الفعل إليهم بقوله:فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } [البقرة: 87].

الثاني: أنه نسب إليهم لكون المتخذ منهم داخلاً في غمارهم، كما تقول: فعلت بنو تميم كذا، وإن كان الفاعل واحداً.

الثالث: أن المعنى: واتخذوه إلهاً وعبدوه، وهو الجواب المعتمد؛ لأنهم لم يصنعوا عجلاً جسداً خائراً؛ لأن هذا لا يدخل تحت وسعهم، إنما اتخذوه إلهاً.

وقوله: { جَسَداً } بدل من المفعول. يريد: جسداً ذا لحم ودم، وهذا قول ابن عباس والحسن وقتادة ووهب وعامة المفسرين. ويؤيده قوله تعالى: { لَّهُ خُوَارٌ } وهو صوت البقر.

وقرأ علي عليه السلام: " له جُؤَار " بالجيم مهموزاً، مِنْ جَأَرَ يَجْأَر؛ إذا صاح.

قال ابن عباس: كان العجل إذا خار سجدوا.

ويروى عن ابن عباس: أنه خار خورة واحدة.

وقال مجاهد: خواره: حفيف الريح فيه، يشير إلى أنه كان لا روح فيه.

قال ابن الأنباري: ذكر الجسد دلالة على عدم الروح.

وفي هذا بُعْد لوجوه:

أحدها: أنه خلاف الظاهر من قوله: " خوار " ، أو " جؤار " على قراءة علي عليه السلام.

الثاني: افتتانهم إنما كان بانفعاله عجلاً خائراً من الحلي، ولو كان ذهباً مصوغاً تجري الريح في منافذه فيظهر له صوت لم يكن ذلك فتنة ولا عجباً.

الثالث: قوله:فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا } [طه: 96] فإنه كان رأى جبريل حين أتى موسى عليه السلام فقال: إن لهذا شأناً، فقبض القبضة من أثر حافر فرسه فألقاها على الحلي، فظهر العجل، فلو لم يكن فيه روح وله خوار حقيقة لم يحتج في وجوده إلى القبضة؛ لأن كل أحد من الصاغة يقدر على ذلك.

قوله تعالى: { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } أي: لا يقدر على إجابة دعائهم، { وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } المعنى: فكيف اتخذوا إلهاً دون من لو كان ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلماته، ولكن ما هذا بأول أضاليلهم وأباطيلهم وجهالاتهم وظلمهم، ألا تراه يقول: { ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } أي: وكانوا قوماً عادتهم الظلم ووضع الأشياء في غير مواضعها.

السابقالتالي
2