الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله تعالى: { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي: اخترتك واجتبيتك على الناس، { بِرِسَالاَتِي } وقرأ الحرميان: " برسالتي " على التوحيد، { وَبِكَلاَمِي } قال الزجاج: لو كان إنما سمع كلام غير الله لما قال: { بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي }؛ لأن الملائكة تنزل على الأنبياء عليهم السلام بكلام الله تعالى.

{ فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } أي: ما أعطيتك من النبوة والحكم والألواح، { وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } لأنعمي.

قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ } يعني: أسفار التوراة.

واختلفوا في جوهرها وعددها؛ فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنها سبعة ألواح.

وروى عنه أبو صالح: أنها لوحان.

قال سعيد: من ياقوت.

وقال مجاهد: من زمرد أخضر.

وقال مقاتل: من زمرد وياقوت.

وقال ابن السائب: من زبرجد أخضر.

وفي الحديث: أن النبي قال: " الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة، وكان طول اللوح اثني عشر ذراعاً ".

وقوله: { مِن كُلِّ شَيْءٍ } أي: من كل ما تحتاج إليه بنوا إسرائيل من تفاصيل الأحكام والحكم.

قال ابن عباس: مما افترض وأحلَّ وحرَّم.

قوله تعالى: { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } بدل من " كل شيء ". والمعنى: وتفصيلاً لكل شيء من أمر الدين، { فَخُذْهَا } يعني: الألواح، { بِقُوَّةٍ } بعزيمة وجد واجتهاد، وهو عطف على: { وَكَتَبْنَا لَهُ } ، أي: وكتبنا له في الألواح فقلنا له: خذها بقوة.

ويجوز أن يكون قوله: " خذها " بدلاً من " فَخُذْ ما آتيتك ".

{ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي: مُرهم يأخذوا بأحسن ما اشتملت عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم؛ كالصبر، فإنه أحسن من الانتصار، وإن كانا مشروعين، والعفو فإنه أفضل من جواز الانتقام بالقصاص وغيره مما أذن الشرع فيه، وفعل الواجبات والمندوبات فإنه أحسن من المباحات.

وقال قطرب وابن الأنباري: ناب " أحسن " عن " حسن " ، كما قال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بَيْتاً دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ   
أي: دعائمه طويلة عزيزة.

فالمعنى: وأمر قومك يأخذوا بها فإنها كلها حسنة.

ثم هدّد بني إسرائيل فقال: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } ، قال الحسن ومجاهد: هي جهنم، وهذا كقوله:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71].

وقيل: سأريكم دار فرعون وقومه -وهي مصر- كيف أصبحت معطلة منهم خالية عنهم، فيكون ذلك خارجاً مخرج التذكير بالنعم، والتحذير من النقم.

وقال قتادة وغيره: " سأريكم دار الفاسقين " يعني: منازل الجبارين والعمالقة من أرض الشام، فيكون ذلك خارجاً مخرج البشارة باستفحال أمرهم وعز سلطانهم والرجوع إلى أوطانهم.

وقرأ الحسن البصري: " سَأُورِيكم " بزيادة واو، وهي لغة فاشية بالحجاز، يقولون: أوْرِني كذا.

وقرئ: " سأورثكم " من الميراث، كقوله:وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } [الأعراف: 137].