الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

ثم إن الله تعالى قصَّ علينا خبر بني إسرائيل وما قالوه وفعلوه من عبادة العجل، وسؤال الرؤية في الدنيا، وقولهم: { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } ، واعتداءهم في السبت، وغير ذلك من أقوالهم الشنيعة وأفعالهم المنكرة الفظيعة عقيب هذه النعم الذي اختصهم بها من إنقاذهم من رقّ العبودية، وذل الاستخدام، وجعلهم بعد أن كانوا مملوكين ملوكاً، واستعلائهم على أعدائهم ومشاهدتهم تلك الآيات المفصلات، ومعافاتهم من العذاب الذي نزل بالقبط، مع كونهم ملابسيهم في منازلهم ومآكلهم ومشاربهم، وفلق البحر لإنجائهم وإهلاك أعدائهم، ليعلم أن الإنسان كفور لنعم الله كنود، جحود ظلوم، وليسلّي رسوله، لئلا يتعاظم ما لقي منهم من البهت والعناد والتكذيب، مع العلم الرصين بحقيقة حاله، وأنه الرسول الموعود به على لسان نبيهم موسى بن عمران وغيره من الأنبياء، فقال تعالى: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ } أي: قطعناه بهم، وكان ذلك يوم عاشوراء، { فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ } وقرأ حمزة والكسائي: " يَعْكِفُونَ " بكسر الكاف، والمعنى: يلازمونها ويواظبون على عبادته، { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً } يعنون صنماً نعكف عليه { كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } يعكفون عليها.

قال ابن جريج: كانت آلهتهم تماثيل البقر.

{ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } حيث تطلبون معبوداً غير الله، وقد أراكم من تلك الآيات العظام، وأنعم عليكم بتلك النعم الجسام، وجعل أيديكم بنواصي الجبابرة آخذة، وأوامركم في صياصي الفراعنة نافذة.

قوله تعالى: { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } يعني: الذين يعكفون على أصنامهم مهلك ما هم فيه من عبادتها؛ لأنها لا تجلب لهم ثواباً ولا تدفع عنهم عقاباً { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي: يذهب ضياعاً بغير نفع؛ لأنه لغير الله.

ويروى: أن يهودياً قال لعلي عليه السلام: اختلفتم بعد نبيكم قبل أن يجف ماؤه. فقال له علي عليه السلام: اختلفنا في الدنيا، وأنتم لم تجف أقدامكم من البحر حتى قلتم: { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ }.

{ قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً } استفهام في معنى الإنكار، لعظيم ما قالوه من الكفر، والتعجب من طلبهم إلهاً لا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع، بعدما شاهدوا من آيات الله لديهم وآلائه عليهم، { وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } بالنعم التي اختصكم بها.

قوله تعالى: { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ } قرأ ابن عامر: " أنجاكم ".

فمن قرأ: " أنجيناكم " فهو على مذهب التعظيم، ومن قرأ: " أنجاكم " فعلى لفظ الواحد، حملاً على قوله: { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً } ، والمعنى: اذكروا إذ أنجاكم من آل فرعون.

وقوله: { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } استئناف لا محل له. ويجوز أن يكون حالاً من المخاطبين، أو " من آل فرعون " ، { يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ } بدل من " يسومونكم " ، أو حال من الضمير المرفوع في " يسومونكم ". وقد أسلفنا في سورة البقرة ما تركنا ذكره هاهنا.