الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ } أي: ابتلينا أهل دينه بالجدب.

قال الزجاج: يقال: مَسَّتهم السَّنَة، ومعناه: جدْب السنة.

وقال غيره: يقال منه: أسنت القوم؛ إذا أجدبوا.

قال الشاعر:
عَمْرو العُلى هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ   ورِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
قال قتادة: أما السَّنَة: فكانت في بواديهم ومواشيهم. وأما نقص الثمرات: فكان في أمصارهم وقراهم.

وقال ابن عباس في رواية الضحاك: يبس لهم كل شيء، وذهبت مواشيهم، حتى يبس نيل مصر، فاجتمعوا إلى فرعون فقالوا: إن كنت رباً كما تزعم فاملأ لنا نيل مصر، فقال: [غدوة] يصبحكم الماء. فلما خرجوا من عنده قال: أي شيء صنعت! أنا أقدر أن أجيء بالماء في نيل مصر، أُصبحُ فيكذبوني. فلما كان جوف الليل اغتسل، ثم لبس مدرعة من صوف، ثم خرج حافياً حتى أتى بطن نيل مصر، فقام في بطنه فقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر [أن] تملأ نيل مصر، فاملأه، فما علم إلا بخرير الماء، لِمَا أراد الله به من الهلكة.

قوله تعالى: { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي: فعلنا بهم ذلك لعلهم يذكرون؛ لأن أحوال الشدة ترقق القلب وتوجب الخضوع والخشوع، وتكشف أغطية الغفلة.

قوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ } وهي الغيث والخصب والعافية وسعة الأرزاق، { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } يعنون بجهة الاستحقاق، نظراً إلى ما ألفوه من الرفاهية، فلم يشكروا مولاها، بل أصروا على كفرهم وتمادوا في غيّهم، { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } وهي نقيض الحسنة المذكورة { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } فيتشاءموا بهم.

قال الزجاج: إنما قالت العرب الطيرة؛ لأنهم كانوا يزجرون الطائر، فإذا كان ذلك على جهة ما يكرهون على ما اصطلحوا عليه بينهم، جعلوا ذلك أمراً يتشاءمون به.

{ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي: شؤمهم الذي جاءهم من عند الله بسبب كفرهم، أو يكون المقصود من قوله: { أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } تقليل ما تشاءموا به في الدنيا بالنسبة إلى ما ادخر لهم من الشؤم في الدار الآخرة. وهو قول الزجاج.

{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن الكل من عند الله.