الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

{ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ } قرأ حفص ووَرْش: " آمنتم " بهمزة واحدة على الخبر، والباقون بالاستفهام، على تفصيلٍ لهم، وكذلك الذي في طه والشعراء.

والمعنى: أصدقتم موسى { قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ }.

ثم أخذ الخبيث عند ظهور الحق يموّه على الخلق فقال: { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ } أي: تصنيع صنعتموه في المدينة فيما بينكم وبين موسى في مصر قبل خروجكم إلى الصحراء { لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا } يعني: القبط، وتسكنوها بني إسرائيل. ثم هدّدهم فقال: { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.

ثم فصّل ما أجمله من الوعيد فقال: { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } يريد: قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.

قال ابن عباس: أول من قطع ذلك وصلب فرعون.

{ قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } فيجازى كلاًّ بعمله.

{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ } أي: ما تعيب منا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا } التي جاء بها موسى من عند الله { لَمَّا جَآءَتْنَا } وهذا مثل قول الشاعر:
ولا عَيْبَ فِيهِم................    ........................
وقد سبق.

ثم سألوا الله الصبر على ما توعدهم به والثبات على الدين، فقالوا: { رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً }.

قال مجاهد: أُصبب علينا الصبر عند القطع والصلب حتى لا نرجع كفاراً، { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } مخلصين على دين موسى.

قال ابن عباس: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.

{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: أرض مصر، بإظهار تضليلك وتجهيلك، والدعاء إلى غير سبيلك، والاستيلاء على ملكك، والتسبب إلى هلكك.

{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } عطف على " ليفسدوا " ، وهو جواب للاستفهام بالواو. وهو قول ابن الأنباري والزجاج.

وقرأ أنس بن مالك: " ونَذَرَك " بالنون والنصب.

وقرأ الحسن: " ويذرُك " بالرفع، على معنى: وهو يذرك، أو هو عطف على " أتذر موسى ".

فإن قيل: هو في اعتقادهم ربهم الأعلى، فكيف قالوا: " وآلهتك "؟

قلت: قد روي عن ابن عباس أنه قال: صنع فرعون أصناماً لقومه وأمرهم بعبادتها وقال: أنا ربكم ورب هذه الأصنام، فذلك قوله:أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24]، فيكون المعنى: ويذرك وآلهتك التي صنعتها ونصبتها للعبادة.

وقرأ ابن مسعود وابن عباس والحسن في آخرين: " ويذرك وإلاهتك " بكسر الهمزة وقصرها وفتح اللام وألف بعدها. المعنى: ويذرك وربوبيتك وعبادة الناس إياك.

فحملته الحمية حين غرّوه وأغروه بموسى وقومه فقال: { سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ } وخفّفها ابن كثير ونافع، وشدّدها الباقون.

والمعنى: سنعيد عليهم قتل الأبناء، واستحياء النساء، أراد اللعين بذلك إيلام بني إسرائيل واستذلالهم، واجتثاث أصلهم، واستئصال نسلهم، وإيهام أغمار القبط وطغامهم أن موسى ليس هو ذلك المولود الموعود به على ألسنة الكهنة، فإنه خاف انخزالهم عن عادتهم في عبادتهم إياه، فتداخلَ بني إسرائيل روعةُ الوعيد والتهديد، فعادوا إلى صاحب الآية، فهداهم إلى الاعتصام بأوثق أسباب النصر، فقال: { ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ } أي: اصبروا على دينكم.

السابقالتالي
2