الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ } * { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } * { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }

{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } عصاك { وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } حبالنا وعصينا، وهذا الإقدام منهم والاجتراء على التخيير في الابتداء بالإلقاء، يدل على وثوقهم من أنفسهم بإتقان صنعة السحر والمهارة فيه.

ويروى: أن رأس السحرة ومعلمهم قال لفرعون: لقد علمتُهم سحراً لا يطيقه أهل الأرض، إلا أن يكون أمراً من السماء، فإنه لا طاقة لهم به.

وقال السدي: قال أمير السحرة لموسى: لآتينك غداً بسحر لا يغلبه السحر، ولئن غلبتني لأؤمنن بك.

{ قَالَ أَلْقُوْاْ } إن قيل: كيف استجاز موسى عليه السلام أن يأمرهم بالسحر؟

قلت: إن كان السحر محرماً في شريعته، فهذا كان في مبادئ رسالته قبل نزول التوراة عليه، وتفصيل الأحكام تبين الحلال والحرام، على أن أمرهم بالإلقاء ليس مقصوداً لذاته، وإنما لم يستلزم من إظهار معجزته وإبطال سحرهم وإقامة الحجة عليهم، والحرام قد يصير حلالاً، بل واجباً في بعض الصور؛ إذا استلزم مصلحة عامة، أو أمداً مطلوباً في نظر الشرع. ألا ترى أن أكل الميتة حرام، ثم في حالة الاضطرار يصير واجباً؛ حفظاً للنفس من التلف، والكفار إذا تترسوا بالمسلمين ولم يكن لنا وصول إلى قتلهم إلا بهلاك الذين تترسوا بهم من المسلمين، فإنا نقاتلهم وننوي قتل الكفار، ويقع قتل المسلمين بطريق الضمن والتبع؛ نظراً إلى تحقيق المصلحة العامة.

وذكر الماوردي عن هذا السؤال جوابين:

أحدهما: أن مضمون أمره: إن كنتم محقين فألقوا.

الثاني: ألقوا على ما يصح، لا على ما يفسد ويستحيل.

فإن قيل: ما الحكمة في اختيار موسى عليه السلام تقدمهم عليه في الإلقاء؟

قلت: عنه أجوبة:

أحدها: أنه رأى لهم حرصاً على التقدم ورغبة فيه، ألا ترى إلى قولهم: { وإما أن نكون نحن الملقين } فأكدوا الضمير وعرفوا الخبر، فسوغ موسى لهم ذلك استحالة لهم إلى الإيمان والإنصاف.

الثاني: أنهم خَيَّرُوه، وكان من تمام الأدب وحسن العشرة وكمال المروءة أن يجازيهم بالأحسن والأجمل، فقدَّمهم لذلك.

الثالث: أن في تثبته عليه السلام وكونه لم يعجل ويبادر إلى الإلقاء عقيب التخيير احتقاراً وازدراء بشأنهم الذي قد حشدوا وحشروا الناس لأجله، وإظهاراً لقلة المبالاة به.

والرابع: أنه عليه السلام أراد دفع باطلهم بالحق الذي جاء به، وأن يقروا ذلك في نفوسهم. فلو ألقى قبلهم لخامر قلوبهم من الوجل الذي لزم منه اختلال النظر ما خامرهم أوّلاً حين ازدحموا حتى مات منهم خمسة وعشرون ألفاً، فأمرهم بالإلقاء قبله ليروا بأبصارهم الناظرة، وبصائرهم الحاضرة، أَثَرَ معجزته في سحرهم العظيم الذي جاؤوا به، فيكون ذلك أبلغ في تحقيق معجزته وتحصيل مقصوده وإقامة حجته.

قوله تعالى: { فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ } قلبوها عن صحة إدراكها حتى رأوا الحبال والعصي حيات غلاظاً قد ملأت الأرض، { وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } قال الزجاج: استدعوا رهبَتَهُم حتى رهبهم الناس.

السابقالتالي
2