قوله تعالى: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } قال الزمخشري: هو كقوله:{ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [هود: 72] في أنه مبتدأ وخبر وحال. ويجوز أن يكون " القرى " صفة [لـ " تلك " ]، و " نقصّ " خبراً، وأن يكون " القرى نقصّ " خبراً بعد خبر. فإن قلت: ما معنى " تلك القرى " حتى تكون كلاماً مفيداً؟ قلت: هو كلام مفيد، لكن بشرط التقييد بالحال، كما يفيد بشرط التقييد بالصفة في قولك: هو الرجل الكريم. فإن قلت: ما معنى الإخبار عن القرى بـ " نقص عليك "؟ قلت: معناه: أن تلك القرى المذكورة نقصّ عليك بعض أنبائها، ولها أنباء غيرها لم نقصّها عليك. { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ } وهي الدلائل والبراهين، { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } عند مجيء الرسل إليهم، وظهور البينات والمعجزات، { بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ذلك. وقيل: المراد بالقبليّة: ما سبق في العلم والمشيئة. وهو قول أبي بن كعب. وقيل: المعنى: ما كان الخلف ليؤمنوا بما كذب به السلف من قبل. وقال ابن عباس: المعنى: فما كانوا ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا به يوم أخذ ميثاقهم، حين أخرجهم من صلب آدم، فآمنوا كرهاً، حيث أقروا بالألسنة وأضمروا التكذيب. وقال مجاهد: المعنى: فما كانوا لو رددناهم إلى الدنيا بعد موتهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم، فهو نظير قوله:{ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]. { كَذَٰلِكَ } أي: مثل ذلك الطبع الشديد { يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ }. قوله تعالى: { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } أي: ما وجدنا لأكثر الناس من وفاء بالعهد الذي أخذناه عليهم حين أخرجناهم من ظهر آدم. هذا هو قول ابن عباس وأكثر المفسرين. وقال الحسن البصري: المراد بالعهد هاهنا: ما عهده إليهم مع الأنبياء أن لا يشركوا به شيئاً. { وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } قال أبو عبيدة: المعنى: وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين. والقاعدة التي راعيناها في هذا الباب من هذا الكتاب، ما عليه حذّاق البصريين: من أنّ " إِنْ " هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، على معنى: وإن الشأن والحديث وجدنا أكثرهم فاسقين مارقين من الطاعة.