قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَهْدِ } أي: يتّضح ويتبين، ولذلك عُدِّي باللام، { لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ } وهم كفار مكة ومن حولها الذين استُخلفوا في أثر من كان قبلهم. وقوله: { أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } في موضع رفع بإسناد " يهد " إليه، المعنى: أو لم يتبينوا أنا لو شئنا أصبناهم بذنوبهم وكفرهم، فأهلكناهم كما أهلكنا من كان قبلهم بذنوبهم وكفرهم. وقال الزجاج: المعنى: أو لم يبيّن الله لهم أنه لو يشاء. وقرأت ليعقوب الحضرمي: " أو لم نَهْد " بالنون، على معنى: أو لم نبين لهم. قوله تعالى: { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } معطوف على { يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ } ، أو على ما دلّ عليه معنى: " أو لم يهد " ، تقديره: يغفلون عن الهداية، ونطبع على قلوبهم، أو هو منقطع، على معنى: ونحن نطبع. فإن قيل: هل يجوز أن يكون معطوفاً على " أصبناهم " ، على معنى: وطبعنا؟ قلت: لا يساعد عليه المعنى؛ لأنهم كانوا مطبوعاً على قلوبهم من قبل، وهذا التفسير يقتضي خلوّهم عن هذه الصفة. فإن قيل: فهل يجوز العطف على " أصبناهم " إذا جعلته في تأويل: نُصيبهم؟ قلت: نعم؛ لصحة المعنى وانتظامه، لا سيما ومعنى الاستقبال في الماضي هاهنا واضح، ونظيره قوله تعالى:{ تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } [الفرقان: 10]، ثم عطف عليه:{ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } [الفرقان: 10]، وأنشد من ذلك قول الشاعر:
إن يسمَعُوا ريبةً طَارُوا بها فَرَحاً
عَني وما سَمِعُوا من صَالحِ دَفَنُوا
أي: يدفنوا. { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } نَفْيُ السماع عنهم هاهنا في معنى إثبات الصمم لهم في قوله:{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [البقرة: 18] وقد سبق تأويله. وقيل: المعنى فهم لا يقبلون، كقوله: " سمع الله لمن حمده " ، وقد سبق تقديره فيما مضى.