وقد ذكرنا أقوال العلماء في أول البقرة على الحروف المقطعة في أوائل السور. وقد روى أبو الضحى عن ابن عباس في قوله: { الۤمۤصۤ } قال: معناه أنا الله أعلم وأفصل. قوله تعالى: { كِتَابٌ } خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا كتاب، { أُنزِلَ إِلَيْكَ } صفته، { فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ }. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين: الحرج هاهنا: الشك. وقال الحسن والزجاج: الحرج: الضيق. وهذا هو الأصل، واستعماله بمعنى الشك لما يُخامر الشاكّ من الضيق والحرج. والضمير في " منه " يعود إلى الكتاب. فعلى القول الأول معناه: فلا يكن عندك شك أن الكتاب منزل من عند الله، ويكون هذا مثل قوله:{ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ * وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [يونس: 94-95]، النهي للنبي في ظاهر الأمر، والمراد غيره، وقد أشرنا إلى حكمة ذلك في سورة البقرة. وعلى القول الثاني معناه: لا يكن عندك ضيق وحرج من إبلاغ ما أُرسلتَ به، فإنه كان يخاف أذى قومه وإعراضهم عنه وتكذيبهم له. وفي الحديث: أن النبي قال: " أي رب! إني أخاف أن يثلغوا رأسي فيجعلوه كالخبزة ". قوله تعالى: { لِتُنذِرَ بِهِ } إما أن يتعلق بـ " أُنزِلَ " ، فيكون معناه: أنزل إليك لكي تنذر به. وإما أن يتعلق بالنهي، فيكون معناه: لا يكن في صدرك حرج منه لتتمكن من الإنذار. قوله تعالى: { وَذِكْرَىٰ } إما أن يكون مرفوعاً، عطفاً على " كتاب " ، أو خبر مبتدأ محذوف. وإما أن يكون منصوباً بإضمار فعل، على معنى: لتنذر به وتُذَكِّر تذكيراً. وإما أن يكون مجروراً عطفاً على محل " لتنذر " ، تقديره: للإنذار والذكرى. وإنما خص المؤمنين؛ لموضع انتفاعهم. قوله تعالى: { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } يعني: القرآن والسنة، وهذا دليل واضح على وجوب تعلم العلم، خصوصاً علم التفسير، فإن المراد بالاتباع: العمل، وذلك يستدعي العلم قبله. قال الحسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم! أمرتَ باتباع كتاب الله وسنة رسوله محمد، والله ما نزلت آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت وما معناها. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي: من دون الله. وقيل: من دون المُنَزَّل، { أَوْلِيَآءَ } يعني: شياطين الإنس والجن، فيحملوكم على عبادة الأوثان واتباع الأهواء والبدع. { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } هو كقوله:{ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } [الحاقة: 41]، وقد سبق القول عليه في البقرة. قرأ ابن عامر بياء وتاء. وقرأ الباقون بتاء واحدة، وخفف الذال أهل الكوفة إلا أبا بكر.