قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ } " لا " ردٌ لقول المشركين. أي: ليس الأمر كما قالوا من نسبتهم الرسول إلى الشعر والكهانة، أو هي زائدة مؤكدة، وهو مذكور في الواقعة. { بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } أي: بما ترون وما لا ترون، فهو قسم بجميع الكائنات من السماوات، والملائكة، والعرش، والجنة والنار، والأرض، والإنس والجن، والدنيا والآخرة. وقيل: هو قسم بالخالق والمخلوق. وقيل: ما أظهر عليه الملائكة وما استأثر بعلمه. وقيل: ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون. وقيل: أراد الأرواح والأجسام. { إِنَّهُ } يعني: القرآن { لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم، في قول جمهور المفسرين. وقال ابن السائب: جبريل عليه السلام. والأول أصح؛ لقوله: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ } والمعنى: إنه لقول رسول كريم جاء به من عند الله. ودلّ على هذا المحذوف ذكر الرسول، فإنه يستدعي مُرْسِلاً، وهو الله تعالى. { وما هو بقول شاعر } كما زعم أبو جهل، { قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ }. { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ } كما زعم عقبة بن أبي معيط. { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } وقرأ ابن كثير وابن عامر: " يذكرون " و " يؤمنون " بالياء فيهما، حملاً على قوله:{ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } [الحاقة: 37]. قال الزجاج: " ما " مؤكدة، وهي لغوٌ في باب الإعراب. والمعنى: قليلاً يذَّكَّرون وقليلاً يؤمنون. وقال غيره: القلَّة في معنى العدم، أي: لا يؤمنون ولا يذَّكَّرون البتة، على معنى: ما أكفركم وما أغفلكم. { تَنزِيلٌ } أي: هو تنزيل { مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. وقرأ أبو [السَّمَّال]: " تنزيلاً " بالنصب على المصدر. أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " خرجتُ أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدتُه قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجبُ من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } قال: قلت: كاهن، قال: { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ... إلى آخر السورة } قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع ".