الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } * { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } * { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } * { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } * { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } * { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } * { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } * { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } * { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } * { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ }

قوله تعالى: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ } قال ابن السائب: تُلوى يدُه اليسرى خلفَ ظهره، ثم يُعطى كتابه، { فَيَقُولُ } حين يقف على تلك الفضائح والقبائح: { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ }.

كان بعض السلف [يقول]: لو خُيرت بين أن أكون تراباً وبين أن أُحاسب ثم أدخلَ الجنة، لاخترت أن أكون تراباً.

{ يٰلَيْتَهَا } يعني: الموتة التي ماتها في الدنيا { كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } القاطعة لأثره. تمنى أنه لم يُبعث. وقيل: يتمنى الموت في ذلك اليوم.

قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت.

{ مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي } نفي [أو] استفهام بمعنى الإنكار، تقديره: أيُّ شيء أغنى عني اليوم ما كان لي في الدنيا من المال.

{ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } ذهب عني تسلطي واقتداري.

وقال جمهور المفسرين وأهل المعاني: السلطان: الحجة.

قال الزجاج: قيل للأمراء سلاطين؛ لأنهم الذين تُقام بهم الحججُ والحُقُوق.

والمعنى: ضَلَّتْ عني حجتي.

قال مقاتل: حين [شهدت] عليه الجوارح بالشرك.

فيقول الله حينئذ: { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أي: اجعلوه يَصْلَى النار.

{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } قال ابن عباس: بذراع المَلَك.

وقال نوف البِكَالي: كُلُّ ذراع سبعون باعاً، الباعُ أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة.

وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعاً.

وقال الحسن: الله أعلم أيّ ذراع هو.

وقال مقاتل: سبعون ذراعاً بالذراع الأول.

قال كعب: لو جُمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها.

وفي حديث عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن رصاصة مثل هذه -وأشار إلى جمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة عام لبلغت إلى الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً، الليل والنهار، قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها ".

وقال سويد بن نجيح: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة.

ومعنى: " اسلكوه ": اجعلوه فيها.

قال ابن السائب: كما يُسلك الخيط في اللؤلؤ.

وجاء في التفسير: أنها تُدْخَلُ من فيه وتُخْرَجُ من دبره.

قال الزمخشري: ومعنى " ثم ": الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة.

ثم ذكر السبب الموجب لذلك فقال: { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ } أي: لا يحث { عَلَىٰ طَعَامِ } أي: على بذل طعام { ٱلْمِسْكِينِ } بمعنى: لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: " أنه كان يحضُّ امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا [نخلع] نصفها الآخر؟ ".

{ فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } قريب أو صديق يدفع عنه.

ويقال: إن اشتقاقه من الحميم، وهو الماء الحار، كأنه القريب أو الصديق الذي يحترق قلبه لأجله.

{ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } وهو صديد أهل النار، وما ينغسل من أبدانهم من القيح والدم.

قال ابن عباس: لو أن قطرة من غسلين وقعت في الأرض أفسدت على الناس معايشهم.

وقال الضحاك: هو شجر يأكله أهل النار.

{ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } الآثمون أصحابُ الخطايا، وهم الكافرون.