الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } هذ أمرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم [بالصبر] على ما حكم به سبحانه وتعالى من تأخير العذاب عنهم.

{ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } وهو [يونس] عليه السلام { إِذْ نَادَىٰ } في بطن الحوت: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " ، { وَهُوَ مَكْظُومٌ } مملوءٌ غَمًّا وكرباً.

والمعنى: لا يُوجد منك ما وُجد منه من الغضب والضجر والعجلة، فتُبتلى ببلائه.

وقيل: المعنى: اذكر إذ نادى.

{ لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } وقرأ ابن مسعود: " تَدَارَكَتْهُ "؛ لتأنيث النعمة، وحَسُنَ التذكير على قراءة الجمهور [للفصل].

والمعنى: لولا أن تداركته رحمة من ربه وتوبة.

{ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ } أي: لألْقِيَ بالصحراء. وقد سبق تفسيره في الصافات.

قال الزجاج: المعنى: أنه قد نُبذ بالعراء وهو غير مذموم، ويدل على ذلك: أن النعمة قد شَمِلَتْه.

وقال ابن جريج: " لنبذ بالعراء ": وهو أرض المحشر. المعنى: أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة.

{ فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } قال ابن عباس: ردّ إليه الوحي، وشفَّعه في قومه وفي نفسه.

قوله تعالى: { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ } " إنْ " هي المخففة من الثقيلة بإضمار الشأن، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.

وقرأ نافع: " ليَزلقونك " بفتح الياء، وهما لغتان، يقال: زَلَقَه وأَزْلَقَه عن المكان؛ إذا نحّاه عنه. واللازم منه: زَلِقَ، مثل: سَمِعَ.

قال [ابن] السائب وجماعة من المفسرين: قصد الكفار أن يصيبوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالعين، وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئاً ثم يرفع جانب خبائه، فتمرُّ به النعم فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه، فما تذهبُ إلا قليلاً حتى يسقط منها عِدَّة، فسأله الكفار أن يُصيبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين، فعصمه الله تعالى منه، وأنزل هذه الآية.

وأبى الزجاج هذا القول [وقال]: التأويل: أنهم من شدة إبغاضهم لك وعداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء يصرعونك. وهذا مستعملٌ في الكلام، يقول القائل: نظر إليّ فلان نظراً يكاد يصرعني به، ونظراً يكاد يأكلني فيه، وتأويله كله: أنه [نظر] نظراً لو أمكنه معه أكلي، أو أن يصرعني؛ لفَعَل.

قال: وهذا بينٌ واضح.

وقال ابن قتيبة: ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يُصيب العاين بعينه ما يُعجبه، وإنما أراد: أنهم ينظرون إليك -إذا قرأت القرآن- نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء، يكاد يُسقط، كما قال الشاعر:
...........................   نظراً يُزيل مواطئ الأقدام
ويدل على صحة هذا المعنى: أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن، وهو قوله تعالى: { لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ } وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة، فيحُدُّون النظر إليه بالبغضاء، والإصابة بالعين تكون مع الإعجاب والاستحسان، ولا تكون مع البُغض.

وعبارات العلماء متقاربة.

المعنى: ليزلقونك، أي: لينفذونك بأبصارهم، قال: ويقال: زَهَقَ السهم وزَلَق: إذا نفذ.

وقال الكلبي: يَصْرَعُونك.

وروي عنه: يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة.

وقال المؤرج: يرمونك.

وقال ابن كيسان: يقتلونك. وروي عن الحسن أيضاً مثله.

وقال قتادة: يُزهقونك.

وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس: " ليُزهقونك " ، من زَهَقَت نفسه وأزهقها.

وباقي السورة ظاهر ومُفسّر. والله أعلم.