قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } العامل في الظرف قوله: { فَلْيَأتُواْ }. قال عكرمة: سُئل ابن عباس عن قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر؛ فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:
...........................
وَقَامَتِ الحربُ بنا على سَاق
هو يوم [كرب] وشدة. وهذا قول كثير من المفسرين واللغويين. [وقال] مجاهد عن ابن عباس: هي أشد ساعة في القيامة. وقال عكرمة: إذا اشتد الأمر في الحرب، قيل: كشفت الحربُ عن ساق. أخبرهم الله تعالى بشدة ذلك اليوم. قال ابن قتيبة: أصل هذا: أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجدّ فيه، قيل: شَمَّر عن ساقه، فاستعير الكشف عن الساق في موضع الشدة. فتأويل الآية: يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يُكشف عن ساق. فصل اعلم أنني سلكت في تفسير هذا الحرف سبيلَ كثير من [علماء السنة]، وسوّغ ذلك: أن ابن عباس والحسن في جماعة من التابعين فَسَّرُوه بهذا التفسير، ونقله الإمام أحمد ورواه. قال الزجاج في معانيه: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا أبي، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال ابن عباس في قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ }: الأمر الشديد. وقاعدة مذهب إمامنا في هذا الباب: اتباع السلف الصالح، فما تأولوه تأولناه، وما سكتوا عنه سكتنا عنه، مفوّضين علمه إلى قائله، منزّهين الله عما [لا] يليق بجلاله. وذهب جماعة من علماء السنة إلى إلحاق هذا بنظائره من آيات الصفات وأخبار الصفات. ورووا عن عبدالله بن مسعود في قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: عن ساقه جَلَّ ذكره. [ويؤيد] هذا ما أخبرنا به الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا: أخبرنا [أبو الوقت]، أخبرنا عبدالرحمن بن محمد، أخبرنا عبدالله بن أحمد، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا آدم، حدثنا [الليث]، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسُمْعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً " هذا حديث صحيح أخرجه البخاري هكذا. وهو حديث طويل أخرجه مسلم بطوله. وقال مقاتل بن سليمان: قال عبدالله بن مسعود في هذه الآية: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وقال: عن ساقه اليمين فتضيء من نور ساقه الأرض، فذلك قوله:{ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } [الزمر: 69]. وهذا إن ثبت عن ابن مسعود من طريق يُوثق به غير طريق مقاتل فمقبول، وإلا فمقاتل لا يثبت [حديثه عند] أهل العلم بالحديث.