قال المفسرون: لما أنزل الله: { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } قال المشركون: إنا نُعطى في الآخرة أفضل مما يعطون، فأكذبهم الله تعالى بقوله: { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الجائر، كأنّ أمر الجزاء في الآخرة مفوّض إليكم. { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } ولولا اللام في خبر " إنَّ " لكانت همزة " إنَّ " مفتوحةً بـ " تدرسون ". ويجوز أن يكون حكاية للمدروس. { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } تقول العرب: لفلان عليّ يمين بكذا؛ إذا ضمنتَه منه، وحلفتَ له على الوفاء به. والمعنى: أم ضمنا لكم وأقسمنا لكم بأيْمَان { بَالِغَةٌ } أي: مغلّظة. وقوله تعالى: { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } متعلق بالمقدّر في الظرف، تقديره: هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة. ويجوز أن يتعلق بـ " بالغة ". وقيل: " إلى " صلة. وقرأ الحسن: " بالغةً " بالنصب على الحال من الضمير في الظرف. { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ }: مثل التي قبلها. ولا تتوهّمَنَّ بسبب كسرها أن الوقف على ما قبلها في الموضعين، بل هو مفعولٌ لا يجوز الوقف دونه، ومثاله قولك: علمت أن في الدار لزيداً. والأظهر في الموضع الثاني [أنه] جواب القسم؛ لأن معنى: " أم لكم أيمان علينا ": أم أقسمنا لكم. قوله تعالى: { سَلْهُمْ } أي: سَلْ يا محمد هؤلاء القائلين الحاكمين لأنفسهم بأنهم يُعْطَوْن في الآخرة أفضل منكم، { أَيُّهُم بِذَلِكَ } الحكم { زَعِيمٌ } كفيل به، أو قائم بصحة الاحتجاج على صحته. { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } ناس يشاركونهم في هذا القول ويوافقونهم عليه، ويذهبون إلى مذهبهم فيه. وقيل: المراد: الأصنام التي جعلوها شركاء لله. { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ } يشهدون بصحة قولهم { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } في دعواهم.