الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } * { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } يعني: أهل مكة بالقحط والجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم سلّط عليهم سنين كسنيّ يوسف ".

{ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } حين هلكت جنتهم.

وكان من حديثهم على ما نقله أهل العلم بالتفسير والسير: أن رجلاً كان بناحية اليمن له بستان، وكان مؤمناً، وذلك بعد عيسى بن مريم عليه السلام.

واختلفوا فيما كان يصنع؛ فقال قتادة: كان يُمسك منه قدر كفايته وكفاية أهله، ويتصدق بالباقي.

وقال غيره: كان يترك للمساكين ما تعدّاه المِنْجَل وما يَسقط من رؤوس النخل، وما ينتثر عند الدِّياس، وكان يجتمع من هذا شيء كثير.

قال قتادة: وكان له بنون، فكانوا يلومونه ويقولون: [لئن] ولينا لنفعلنّ ولنفعلن، فلما مات ورثوه وقالوا: نحن أحق من الفقراء والمساكين؛ لكثرة عيالنا، فحلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي: ليَقْطَعَنّ ثمر نخيلهم في أول الصباح قبل انتشار المساكين.

{ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } قال عكرمة: لا يستثنون حق المساكين.

وقال جمهور المفسرين واللغويين: لا يقولون: إن شاء الله.

وسُمي استثناء؛ لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء، من حيث إن قولك: لأخرجن إن شاء الله، في معنى: لا أخرج إلا أن يشاء الله.

{ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ } قال الفراء: الطائف لا يكون إلا بالليل.

قال قتادة: طرقها طارق من أمر الله.

قال ابن عباس: أحاطت بها النار فاحترقت.

قال مقاتل: بعث الله عليها ناراً بالليل فأحرقتها حتى صارت سوداء، فذلك قوله: { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } أي: كالليل المظلم. وأنشد الفراء وغيره:
تَطَاوَلَ لَيْلُكَ الجَوْنُ البَهِيمُ   فما يَنْجَابُ عن صُبْحٍ صَرِيم
وقال ابن عباس: أصبحت كالرّماد الأسود.

وقال الحسن: صُرِمَ عنها الخير فليس فيها شيء.

وقال غيره: أصبحت كالمصروم لهلاك ثمرها.

وقال ابن كيسان: كالحرة السوداء.

وقال المؤرج: كالرَّملة انصرمت من مُعظم الرمل.

وأصل الصَّريم: المَصْرُوم، وكُلُّ شيء قُطِعَ من شيء: فهو صريم، فالليل صريم، والصبح صريم؛ لأن كلَّ واحد منهما يَنْصَرِمُ عن صاحبه.

قوله تعالى: { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } أي: دعا بعضُهم بعضاً عند الصباح.

{ أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ } أي: [إلى] حرثكم.

وقيل: لما كان [الغدوُّ] إليه ليَصرموه ويَقطعوه كان [غُدُوّاً] عليه، كما تقول: غدا عليهم العدو. ويجوز أن يُضَمَّن [الغدو] معنى الإقبال.

ومعنى: { يَتَخَافَتُونَ } يتسارَرُون فيما بينهم.

ثم فسّر ما تسارَرُوا به فقال: { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ }.

{ وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } الحَرْدُ في اللغة يكون بمعنى: القصد. وهو قول قتادة والحسن ومجاهد وابن السائب ومقاتل.

أي: [غدوا] على جِدٍّ من أمرهم؛ لأن القاصد إلى الشيء جادّ، يقال: حَرَدْتُ حَرْدَك، أي: قصدتُ قصدكَ، وأنشدوا:
أقْبَلَ سَيلٌ جاءَ من أمرِ الله   يَحْرِدُ حَرْدَ الجنةِ المُغِلَّه
وهذا قول جمهور المفسرين.

السابقالتالي
2