قوله تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } يعني: أهل مكة بالقحط والجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم سلّط عليهم سنين كسنيّ يوسف ". { كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } حين هلكت جنتهم. وكان من حديثهم على ما نقله أهل العلم بالتفسير والسير: أن رجلاً كان بناحية اليمن له بستان، وكان مؤمناً، وذلك بعد عيسى بن مريم عليه السلام. واختلفوا فيما كان يصنع؛ فقال قتادة: كان يُمسك منه قدر كفايته وكفاية أهله، ويتصدق بالباقي. وقال غيره: كان يترك للمساكين ما تعدّاه المِنْجَل وما يَسقط من رؤوس النخل، وما ينتثر عند الدِّياس، وكان يجتمع من هذا شيء كثير. قال قتادة: وكان له بنون، فكانوا يلومونه ويقولون: [لئن] ولينا لنفعلنّ ولنفعلن، فلما مات ورثوه وقالوا: نحن أحق من الفقراء والمساكين؛ لكثرة عيالنا، فحلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي: ليَقْطَعَنّ ثمر نخيلهم في أول الصباح قبل انتشار المساكين. { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } قال عكرمة: لا يستثنون حق المساكين. وقال جمهور المفسرين واللغويين: لا يقولون: إن شاء الله. وسُمي استثناء؛ لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء، من حيث إن قولك: لأخرجن إن شاء الله، في معنى: لا أخرج إلا أن يشاء الله. { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ } قال الفراء: الطائف لا يكون إلا بالليل. قال قتادة: طرقها طارق من أمر الله. قال ابن عباس: أحاطت بها النار فاحترقت. قال مقاتل: بعث الله عليها ناراً بالليل فأحرقتها حتى صارت سوداء، فذلك قوله: { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } أي: كالليل المظلم. وأنشد الفراء وغيره:
تَطَاوَلَ لَيْلُكَ الجَوْنُ البَهِيمُ
فما يَنْجَابُ عن صُبْحٍ صَرِيم
وقال ابن عباس: أصبحت كالرّماد الأسود. وقال الحسن: صُرِمَ عنها الخير فليس فيها شيء. وقال غيره: أصبحت كالمصروم لهلاك ثمرها. وقال ابن كيسان: كالحرة السوداء. وقال المؤرج: كالرَّملة انصرمت من مُعظم الرمل. وأصل الصَّريم: المَصْرُوم، وكُلُّ شيء قُطِعَ من شيء: فهو صريم، فالليل صريم، والصبح صريم؛ لأن كلَّ واحد منهما يَنْصَرِمُ عن صاحبه. قوله تعالى: { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } أي: دعا بعضُهم بعضاً عند الصباح. { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ } أي: [إلى] حرثكم. وقيل: لما كان [الغدوُّ] إليه ليَصرموه ويَقطعوه كان [غُدُوّاً] عليه، كما تقول: غدا عليهم العدو. ويجوز أن يُضَمَّن [الغدو] معنى الإقبال. ومعنى: { يَتَخَافَتُونَ } يتسارَرُون فيما بينهم. ثم فسّر ما تسارَرُوا به فقال: { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ }. { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } الحَرْدُ في اللغة يكون بمعنى: القصد. وهو قول قتادة والحسن ومجاهد وابن السائب ومقاتل. أي: [غدوا] على جِدٍّ من أمرهم؛ لأن القاصد إلى الشيء جادّ، يقال: حَرَدْتُ حَرْدَك، أي: قصدتُ قصدكَ، وأنشدوا: