الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

قال الله تعالى: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } قال المفسرون: نادى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خاطب أمته؛ لأنه السيد المقدّم، وإمام الأمة، كما يقول السلطان لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت؛ إظهاراً لتقدمه، وتنويهاً بشرف منزلته، وإشعاراً لهم بأن الأمور المنوطة بهم مفوضة إليه.

والمعنى: إذا أردتم طلاق النساء.

{ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي: لاستقبال عدتهن.

قال ابن عباس: فطلقوهن قبل عِدَّتهن.

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: " أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ فليراجعها ثم ليتركها حتى تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طَلَقَّ قبل أن يمسّ، فتلك العدَّة التي أمر الله أن تُطلَّق لها النساء ".

فحصل من الآية والحديث: أن الطلاق على ضربين: طلاق السنة، وطلاق البدعة.

فأما طلاق السنة: فهو أن يطلقها في طُهْر لم يجامعها فيه.

وأما طلاق البدعة: فهو أن يطلقها في زمن الحيض، أو في طُهْر جامعها فيه، ويقع الطلاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بمراجعة زوجته، ويأثم لارتكابه ما نهي عنه.

فصل

والأولى أن يطلقها واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدّتها، فإن أرسل عليها ثلاث طلقات أثم. وهو قول أبي حنيفة ومالك.

وعن الإمام أحمد رواية أخرى: أنه لا يأثم، وهو قول الشافعي، ويقع الطلاق من غير خلاف بينهم.

وفي هذه الآية مستدل لمن يقول: الأقراء: هي الأطهار.

وفيه عن الإمام أحمد روايتان، أصحهما: أنها الحيض، وهي قول أبي حنيفة.

والثانية: أنها الأطهار، وهو قول الشافعي؛ لقوله تعالى: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ، وإنما تطلق في الطّهر.

وطريق الانفصال من ذلك على الرواية الصحيحة: أن المرأة إذا طلقت في الطهر المتقدم للقرء الأول من أقرائها، فقد طلقت لاستقبال عدتها.

قوله تعالى: { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } أي: احفظوها واضبطوها، لتعلموا ما يترتب عليها من أحكام النفقة والرجعة والسكنى، وتوزيع الطلاق على الأقراء لمن أراد أن يطلق ثلاثاً إلى غير ذلك.

{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } خافوه واحذروا مخالفة ما شرع لكم من الدين.

{ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } التي كنّ يسكُنّها، وهنّ في نكاحكم أيها الأزواج، وأُضيفت إليهنّ؛ لمكان اختصاصهنّ بهنّ.

{ وَلاَ يَخْرُجْنَ } هُنَّ بأنفسهن { إِلاَّ } لضرورة؛ لأنهن محبوساتٍ لحقِّ الأزواج، { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } قال ابن عباس وابن عمر والحسن ومجاهد: هي الزنا. فيكون المعنى: لا تخرجوهن إلا أن يزنين، فأخرجوهن لإقامة الحد عليهنّ.

وقيل: الفاحشة: البَذاء على المطلِّق وأهله، فيحل لهم إخراجها حينئذ. وهذا مروي عن ابن عباس.

وقال السدي: المعنى: إلا أن يخرجن قبل انقضاء العدة، فخروجهن فاحشة.

وفي قوله تعالى: { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } تحقيقٌ وتقرير؛ لما سبق من شرعية الطلاق السني وإحصائه. فربما قلب الله قلبه إلى محبتها، أو ندم على مفارقتها فيكون بسبيل من استرجاعها.