الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } * { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } * { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } أخرجا في الصحيحين: " أن زيد بن أرقم قال: ثم دعاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم، قال: فلوَّوا رؤوسهم ".

قال المفسرون: لما نزلت في ابن أبيّ هذه السورة وبَانَ كذبُه، قال له عبادة بن الصامت وغيرُه من أهله: يا أبا الحباب! قد نزلتْ فيك آيات شِدَاد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فلوى رأسه.

قرأ نافع: " لَوَوْا " بالتخفيف، وشدَّدَه الباقون. والمعنى واحد، إلا أن التشديد للتكثير.

قال مقاتل: عطفوا رؤوسهم رغبةً عن الاستغفار.

وقال الفراء: حرّكوها استهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبدعائه.

ويروى أنه قال لهم: أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد!. ولم يلبث بعدها إلا أياماً قلائل حتى اشتكى ومات.

ثم أخبر أن الاستغفار لا ينفعهم فقال: { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } وقرئ شاذاً: " استغفرْتَ " على حذف حرف الاستفهام؛ لدلالة " أم " المعادلة عليه.

وقرأتُ لأبي جعفر: " آستغفرت " بالمد على الإشباع لهمزة الاستفهام؛ إظهاراً لها وبياناً.

والآية التي بعدها قول ابن أبيّ المنافق؛ على ما ذكرناه في سياقة قصته.

ومعنى: " يَنْفَضُّوا ": يتفَرَّقُوا.

[وقرئ] شاذاً: " [يُنْفِضُوا] " ، من [أنْفَضَ] القَوْم؛ إذا فَنِيَتْ أزوادهم.

وفي قوله: { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إشعارٌ بأنه هو الذي بيده أرزاق العباد، فهو الذي رَزَقَ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا أهل المدينة.

قال المفسرون: خزائن السموات: المطر، وخزائن الأرض: النبات.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } ذلك.

والآية التي بعدها قول المنافق، وقد ذكرناه في قصته.

وفي قراءة الحسن البصري وابن أبي عبلة: " لنُخْرِجَنَّ " ونصب " الأعزَّ " و " الأذلَّ ".

قال الزمخشري: معناه: خروج الأذل، أو إخراج الأذل، أو مثل الأذل.

ويحتمل عندي: أن يكون مرادُ المنافق -قاتله الله- على هذه القراءة: إجراءَ الصفتين على النبي صلى الله عليه وسلم، على معنى: لنخرجن الأعز على أصحابه، الأذل عندنا، فسلب الله عن المنافق ما انتحله لنفسه المهِينَة من العِزَّة فقال: { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ } الغلبة والقوة، { وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }.

ومن استقرأ ذلك عَرَفَ صحته عياناً، فإنك ترى الواحد من المحقّين في الدّين المخلصين فيه، تخضع له أعناق الجبابرة والفراعنة، وتخشع لهيبته ذووا الأنَفَة والحميّة، ما ذاك إلا لما ألْبَسَهُ الله من عِزِّ سلطانه، وكَسَاهُ من هيبته.

قال رجل للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن الناس يزعمون أن فيك [تيهاً]؟ قال: ليس بتيهٍ، ولكنه عزّة، وتلا هذه الآية.