الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }

قال الله تعالى: { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ } أي: نشهد شهادة تتواطأ عليها قلوبنا وألسنتنا { إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ } وهاهنا تم الكلام.

ثم استأنف الله تعالى جملة أخرى وهي قوله: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } ، وكأنّ الفائدةَ فيها: دفعُ ما عساه أن يتوهمه بعضهم عند مرادفة قوله: { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } لقوله: { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } من أنه تكذيب لهم في شهادتهم أنه رسول الله.

فلما فَصَلَ بين الجملتين بقوله: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } زاحت علل المبطلين، وطاحت [شُبَه] المكذبين.

والمعنى: والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم: " نشهد ".

والآية التي بعدها مفسرة في المجادلة.

قوله تعالى: { ذَلِكَ } إشارة إلى قوله تعالى: { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، أي: ذلك القول الشاهد عليهم { بِأَنَّهُمْ } أسوأ الناس أعمالاً، بسبب أنهم { آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا } وذلك الكذب بأنهم آمنوا بألسنتهم، ثم كفروا بقلوبهم، [أو بما] ظهر من كفرهم.

{ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } خُتم عليها بالكفر، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } الحق من الباطل.

قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ } خطابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل سامع { تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } قال ابن عباس: كان عبد الله بن أبيّ جسيماً فصيحاً، ذَلِقَ اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله.

وقال زيد بن أرقم: كانوا رجالاً أجمل شيء.

وقال غيره: وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهم جهارة المنظر، وفصاحة الألسن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يَعجبون منهم ويسمعون كلامهم.

{ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } قرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل: " خُشْب " بسكون الشين، وقرأ الباقون بضمّها، وهو جمع خَشَبَة؛ كبَدَنة وبُدُن، وثَمَرة وثُمُر.

والمعنى: كأنهم في عِظَم أجسامهم، وخِفَّةِ أحلامهم، وعدم انتفاعهم والنفع بهم؛ خُشُب.

وفي قوله: { مُسنَّدة } تحقيق لمعنى عدم النفع بهم؛ لأن الخُشُب لا ينتفع به ما دام متروكاً [مسنّداً].

وقيل: شبّههم [بالخُشُب] المسنّدة؛ لأنها لا تُثمر ولا تَنمي.

وقيل: شبّههم بالخُشُب النخرة؛ لسوء مَخْبَرِهم.

وجوّز بعضهم أن يراد: الأوثان المنحوتة من الخشب المسنّدة إلى الحيطان، فهي جميلة في المنظر، خالية عن المخبر.

وقال اليزيدي: الخُشُب: جمع خَشْبَاء، وهي الخَشَبَة التي دَعَرَ جوفها، أي: فَسَد، شُبِّهُوا بها في نفاقهم وفساد بواطنهم.

{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } أي: يحسبون لما عندهم من الرُّعب كل صيحة عليهم. [وثاني] مفعولي " يحسبون " محذوف، تقديره: يحسبون كل صيحة واقعة عليهم.

وقد سَرَقَ الأخطل النصراني هذا المعنى، وأنَّى له ذلك لولا الكتاب العزيز فقال:
ما زلتَ تحسِبُ كُلَّ شيءٍ بعدَهُمْ   خَيْلاً تَكُرُّ عليهمُ ورجالا
قال المفسرون: لا يسمعون صوتاً إلا ظنوا أنهم قد أُتُوا، وإن نادى مُنادٍ في العسكر أو انفلتت دابة، أو نُشدت ضالة، ظنوا أنهم يرادون؛ لما في قلوبهم من الخوف، وكانوا كالمتوقعين أمراً من عند الله، يَستأصل به شأفتهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وبأيدي المؤمنين.

السابقالتالي
2