الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي } وبّخهم عليه السلام على إفراطهم في أذاه، على ما ذكرناه في أواخر الأحزاب عند قوله:لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ } [الأحزاب: 69].

{ وَقَد تَّعْلَمُونَ } في محل الحال، أي: تُؤذونني عالمين علماً لا تَرَدُّدَ عندكم فيه { أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ } ، فهيّج دواعي شفقتهم بقوله: " يا قوم "؛ ليكفوا عن أذاه بسبب النَّسب، وعاب عليهم أذاهم إياه مع كونهم عالمين برسالته، مصدّقين بنبوّته.

وفي ضمن ذلك: تخويفهم من إقدامهم واجترائهم على الله وعلى أذى [رسوله] عمداً، بعدما شاهدوا معجزاته وعاينوا آياته.

{ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ } مالُوا عن الحق { زَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } عن الهدى الواضح؛ جزاء لهم على سوء ما اختاروه لأنفسهم من الزيغ.

ومعنى الآية: اذكر يا محمد لقومك وقت قول موسى لقومه هذا القول، لعلهم يرتدعون عن أذاك، خوفاً مما جُوزي به قوم موسى من إزاغة قلوبهم ومنعهم الهداية.

فإن قيل: لم قال عيسى: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } ولم يقل: " يا قوم " ، كما قال موسى؟

قلتُ: عنه أجوبة:

أحدها: أن الله أوجده من غير أب، فلم يكونوا قومه؛ لأن قوم الإنسان عصبته الذين يقومون بأمره.

الثاني: أن إيجاده من غير أب كان أعظم آياته وأوضح معجزاته، فَكَرِهَ أن يأتي بلفظ يُوهم نفي معجزاته وآيته ولو على بُعد.

الثالث: أن موسى قصد استدفاعَ أذاهم، فأتى بلفظ يستعطف به قلوبهم، وذكَّرهم بالقرابة التي بينه وبينهم، بخلاف عيسى، فإنه قصد إخبارهم برسالته إليهم وبشارتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً من بعده.

فإن قيل: بماذا انتصب قوله: " مُصَدِّقاً " و " مُبَشِّراً "؟

قلتُ: بما في " رسول " من معنى الإرسال.

فإن قيل: ما منعك أن تجعل الظرف هو العامل؟

قلتُ: لأن " إليكم " صلة لـ " رسول " ، وحروف الجر لا تعمل إلا بما فيها من معنى الفعل. فإذا وقعت صِلات لم تتضمّن معنى الفعل، فلا تعمل.

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر: " من بعديَ اسمه أحمد " بفتح الياء، وأسكنها الباقون. والعلة في ذلك: التقاء الساكنين.

والخليل وسيبويه يختاران الفتح.

فإن قيل: ما معنى " أحْمَد "؟

قلتُ: هو أفْعَل من الحمد، بمعنى: أنه أكثر حمداً لله من غيره، أو يُحمد أكثر من غيره، بما فيه من محاسن الشيم ومكارم الأخلاق. فتكون المبالغة على المعنى الأول من الفاعل، وعلى الثاني من المفعول.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم العطار وأبو الحسن بن العطار قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداودي، أخبرنا السرخسي، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

السابقالتالي
2