الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } قال ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة: كان ناسٌ من المؤمنين يقولون قبل أن يُفرض الجهاد: وددنا أن الله تعالى دلَّنا على أحب الأعمال إليه، فلما نزل فرضُ الجهاد كرهه بعض القائلين، فنزلت هذه الآية.

وقال مجاهد: نزلت في قوم كانوا يقولون: لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله لسارعنا إليه، فلما نزلت فريضة الجهاد تثاقلوا عنه.

وقال عكرمة: كان الرجل منهم يقول: قاتلتُ ولم يقاتل، وطعنتُ ولم يطعن، وضربتُ ولم يضرب، وصبرتُ ولم يَصبر. وهذه الأقوال مروية عن ابن عباس.

وروى سعيد بن المسيب عن صهيب رضي الله عنه قال: كان رجل يوم [بدر] قد آذى المسلمين ونكأهم، فقتله صهيب في القتال، فقال رجل: يا رسول الله! قتلتُ فلاناً، ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر وعبد الرحمن لصهيب: أخبرْ رسول الله أنك قتلته، فإن فلاناً ينتحله، فقال [صهيب]: إنما قتلته لله ولرسوله، فقال عمر وعبد الرحمن لرسول الله: يا رسول الله، قتله صهيب، قال: كذلك يا أبا يحيى؟ قال: نعم يا رسول الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية والآية الأخرى.

وقال ابن زيد: نزلت في المنافقين، كانوا يَعِدُون المؤمنين النصر وهم كاذبون.

فيكون نداؤهم بالإيمان؛ تهكماً بهم وبإيمانهم.

وقال ميمون بن مهران: نزلت في الرجل يُقرّظ نفسه بما لا يفعله نظيره، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

قال الزمخشري في قوله: { لِمَ تَقُولُونَ }: هذه لام الإضافة داخلة على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من [حروف الجر] في قولك: [بمَ]، وفيِمَهْ، ومِمَّ، وعَمَّ، وإِلامَ، وعَلامَ. وإنما حذفت الألف؛ لأن " ما " والحرف كشيء واحد، ووقع استعماله كثيراً في كلام المستفهم؛ وقد جاء استعمال الأصل قليلاً، والوقف على زيادة هاء السكت أو [الإسكان]. ومن أسكن في الوصل فلإجرائه مجرى الوقف، كما سُمع: ثلاثه، أربعه، بالهاء، وإلقاء حركة الهمزة عليها محذوفة.

قوله تعالى: { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } قال الزجاج: " مَقْتاً " نصب على التمييز. والمعنى: كَبُرَ قولكم ما لا تفعلون مَقْتاً عند الله.

وقال غيره: اختير لفظ المَقْتُ؛ لأنه أشد البُغض وأبلغه، ولم يقتصر على أن جعل المقتَ كبيراً حتى جعله أشدَّه وأفحشَه، وعند الله أبلغ من ذاك؛ لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله، فقد تم كبره وشدّته.

ثم ذكر الله ما يحبه فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } أي: صافّين أنفسهم أو مصفوفين، { كَأَنَّهُم } في [تراصّهم] من غير خلل { بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } قد [رُصِفَ ورُصَّ] بعضه ببعض.

وقال الفراء: المَرْصُوصُ: المبنيّ بالرَّصَاص.

وقوله: { صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ } حالان متداخلتان.