الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله تعالى: { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال الزجاج: لا تُظهرْهم علينا فيظنوا أنهم على حق، فيفْتَتِنُوا بذلك.

وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا. وقد سبق ذلك في يونس.

قال الزمخشري: ثم كرّر الحث على الائتساء بإبراهيم وقومه تقريراً وتأكيداً عليهم، ولذلك جاء به مُصَدَّراً بالقسم؛ لأنه الغاية في التأكيد، وأبدل عن قوله: { لَكُمْ } قوله تعالى: { لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } ، وعَقَّبَهُ بقوله: { وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } فلم يترك نوعاً من التأكيد إلا جاء به.

قال مقاتل وغيره: فلما نزلت هذه الآيات بالغ المسلمون في مقاطعة أبنائهم وآبائهم وعشائرهم وأقربائهم.

فلما رأى اللهُ منهم صدقَهم في البراءة من المشركين وَعَدَهُم بما يتمنونه فقال: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } ، ففعل ذلك بأن أسلم كثير منهم يوم الفتح: أبو سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو، وغيرهم من صناديد قريش.

وتزوج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت هاجرتْ مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة فتنصّر، وأَبَتْ أن تُتابعه، فمات، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها عليه، وساق عنه إليها أربعمائة دينار، وبلغ ذاك أباها فاستبشر وقال: ذاك والله الفَحْل، لا يُقْرَعُ أنفه، وانكسر عن كثير مما كان عليه من الإيغال في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ وَٱللَّهُ قَدِيرٌ } على تقليب قلوب العباد وإصلاح أهل الفساد، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لا يتعاظم عليه مغفرةُ تلك السيئات الشنيعة، والصفح عن تلك الجنايات الفظيعة.

قوله تعالى: { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } ذهب جماعة من المفسرين: إلى أنها نزلت في النساء والصبيان.

قال ابن الزبير: " نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وذلك أن أُمَّها قُتيلة بنت عبد العزى قدمت عليها المدينة بهدايا، فلم تقبل هداياها، ولم تُدخلها منزلها، فسألت لها عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فقال: مريها أن تُدخلها منزلها، وتَقْبَل هديتها، وتكرمها، وتُحسنَ إليها ".

وقال جماعة، منهم ابن عباس: نزلت في خزاعة وبني مدلج، وكانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يُقاتلوه ولا يُعينوا عليه أحداً.

وقال عطية العوفي: نزلت في جماعة من بني هاشم، منهم: العباس بن عبدالمطلب.

وقيل: هي عامة في كل من لم يقاتل من الكفار.

وكان قتادة وابن زيد يقولان: هي منسوخة بآية السيف.

والصحيح: أنها محكمة.

وقوله تعالى: { أَن تَبَرُّوهُمْ } بدل من " الذين لم يقاتلوكم " ، وكذلك " أن تولوهم " ، إذ المعنى: لا ينهاكم الله عن مبرّة هؤلاء ومعاملتهم بالعدل، { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ } عز وجل { عَنِ } تولي { ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ... الآية }.