الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } قال المفسرون: لما فَتَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة جاءته النساء يبايعنه، فنزلت هذه الآية.

وفي هذا القول منافاة لحديث عائشة الذي رويناه آنفاً في الامتحان. ومعلوم أن امتحانهن كان قبل الفتح في هدنة الحديبية. وما أعلمُ أحداً من المفسرين لَحَظَ هذا الذي ذكرته مع [حكايتهم] القولين المتنافيين، غير أن حديث عائشة أصح وأثبت.

والظاهر: أن هذه الآية نزلت قبل الفتح، وأن الناقلين نزولها يوم الفتح لم يستثبتوا ذلك. والله أعلم.

قال العلماء بالتفسير والسير: " لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال وهو على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل منه [يبايع] النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلّغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقّبة متنكّرة مع النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: أبايعكن على أن لا تشركن بالله [شيئاً]، فرفعت هندٌ رأسها وقالت: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تسرقن، قالت امرأة أبي سفيان: إن أبا سفيان رجل شحيح، [وإني] أصيبُ من ماله الهَنَات، فلا أدري أيحل لي أم [لا]؟ فقال أبو سفيان: ما أصبتِ من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال. قال: فضحك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعرَفها، وقال: وإنك لهند بنت عتبة؟ قالت: نعم، فاعفُ عما سلف يا رسول الله عفا الله عنك، فقال: ولا تزنين، فقالت هند: أوَ تزني الحُرَّة؟ فقال: ولا تقتلن أولادكن، فقالت هند: ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً، فأنتم وهم أعلم، وكان ابنُها حنظلة قتل يوم بدر، فضحك عمر رضي الله عنه حتى استلقى، وتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ولا تأتين ببهتان تفتريته بين أيديكنّ وأرجلكنّ، وهو [أن] تقْرِف ولداً على زوجها وليس منه، فقالت هند: والله إن البهتان لقبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال: ولا يعصينك في معروف، فقالت: ما جلسنا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء، فأقرّ النسوة بما شرط عليهن ".

والمراد بقوله: { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ }: وَأْدُ البنات، وبقوله: { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ }: ما ذكرناه: لا يُلحقن بأزواجهن أولاداً من غيرهم، بأن تلتقط ولداً فتقول لزوجها: هذا ولدي منك. في قول ابن عباس وجمهور المفسرين.

وإنما قال: { بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ }؛ لأن الولد إذا وضعتْه الأم يسقط بين يديها ورجليها.

فإن قيل: ما منعك من تفسيره بولد الزنا، على ما قاله بعض المفسرين؟

قلتُ: لأن الزنا قد تقدم في قوله: { وَلاَ يَزْنِينَ }.

السابقالتالي
2