قوله تعالى: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } إن قيل: على أي شيء عطف قوله: " ثم آتينا "؟ قلتُ: قال الزجاج: على معنى التلاوة، التقدير: قل تعالوا أَتْلُ ما حَرَّمَ ربكم عليكم ثم أَتْلُ عليكم ما آتاه الله موسى. وقال الزمخشري: عطفه على " وصاكم ". فإن قلت: كيف [صَحَّ] عطفه عليه بـ " ثم " وإيتاء موسى الكتاب قبل التوصية بدهر طويل؟ قلتُ: هذه التوصية قديمة، لم تزل [توصاها] كلّ أمة على لسان نبيها، كما قال ابن عباس: [محكمات] لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، كأنه قيل: ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديماً وحديثاً. ثم أعظم من ذلك أنَّا آتينا موسى الكتاب [وأنزلنا هذا الكتاب] المبارك. وقيل: هو معطوف على ما تقدم قبل شطر السورة من قوله:{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [الأنعام: 84]. وقال غيره: تقديره: ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب، ومثله قول الشاعر:
قُلْ لِمَنْ سَادَ ثمّ سَادَ أَبُوهُ
ثم قَدْ سَادَ قَبْلَ ذلِكَ جَدُّه
قوله تعالى: { تَمَاماً } مفعول له، المعنى: آتيناه الكتاب لأجل التمام على الذي أحسنه من كتب الله وشرائع دينه، وعلوم أنبيائه. وقيل: تماماً للنعمة والكرامة على ما أحسن في طاعتي وتبليغ رسالتي، فتكون الذي بمعنى " ما ". وقيل: المعنى: آتيناه الكتاب تاماً جملة واحدة لم نفرق إنزاله، كالقرآن مضافاً إلى الذي أحسنه من العلم وزيادة عليه. فعلى هذه [الأقوال] المشار إليه: موسى. وقيل: المعنى: تماماً للنعمة والكرامة على من كان محسناً صالحاً، يريد: جنس المحسنين، وهو اختيار أبي عبيدة وكثير من المحققين. ويؤيده قراءة عبد الله بن مسعود: " على الذي أحسنوا ". وقال ابن زيد: تماماً على إحسان الله على أنبيائه. وفيه تعسف. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو رزين والحسن ويحيى بن يعمر: " أحسنُ " بالرفع، على معنى: هو أحسن، فحذف المبتدأ. وقرأ ابن عمرو وأبو المتوكل: " أُحسِن " بضم الهمزة وكسر السين. { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } تبياناً لكل شيء يحتاج إليه من شرائع الدين. قوله تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } يعني: القرآن، ووصفه بالبركة لما يأتي من قِبَلِه من الخير الكثير، { فَٱتَّبِعُوهُ } اعملوا بما فيه، { وَٱتَّقُواْ } مخالفته، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }. قوله تعالى: { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } وهم اليهود والنصارى. قال مقاتل: كان كفار مكة يقولون: قاتل الله اليهود والنصارى كيف كذبوا أنبيائهم، فوالله لو جاءنا نذير وكتاب لكنا أهدى منهم، فنزلت هذه الآية. و " أَنْ " في محل النصب. قال الكسائي والفراء: معناه: اتقوا أن تقولوا. والذي عليه حذاق النحاة من البصريين وغيرهم: أنه مفعول لأجله، تقديره: أنزلناه كراهة أن تقولوا يا أهل مكة: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا.