الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.

أي: بالخصلة التي هي أحسن، وهي القيام بتثميره، وحسن تدبيره، وعدم تبذيره.

وقال ابن عباس: يريد: إن كنتَ له وصياً فأصلحتَ ماله أكلتَ بالمعروف إن احتجت إليه، وإن كنت غنياً عنه فَعُفَّ عن أكله.

{ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } وهو استحكام قوة الشباب، والمراد به: أن يبلغ ويؤنس منه الرشد، وهو الصلاح في المال والدين، وقد ذكرناه في سورة النساء.

قال أبو عبيدة: الأشدّ: لا واحد له.

وقال الفراء: واحده: " شدّ " في القياس، ولم نسمع لها بواحد.

وقال ابن قتيبة: لا واحد له، فإن أكرهوا على ذلك قالوا: شد بمنزلة " ضبّ وأضبَّ ".

وقيل: واحد الأشد: شدّ، بفتح الشين وضمها.

قال بعض البصريين: واحد الأشد: " شِدة " ، كنعمة وأنعم.

فإن قيل: لم خصَّ مال اليتيم بالذكر مع أن جميع الأموال لا يجوز قربانها إلا بالتي هي أحسن؟

قلتُ: خصه بالذِّكْر؛ لضعفه عن الانتصار لنفسه، وزيادة الطمع فيه لصغره.

قوله تعالى: { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أتموها بالعدل والتسوية من غير بخس ولا شطط، على حسب اجتهاد المكلف في تحري العدل.

{ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي: ما يسعها وتقدر عليه، { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } أي: إذا تكلمتم أو شهدتم فاعدلوا، { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } أي: ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها ذا قرابتك.

{ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } هو مثل قوله:أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة: 1]، وقد سبق تفسيره. { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }.

{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً } اتفقوا على تشديد النون في " أَنَّ " إلا ابن عامر، فإنه خففها من الثقيلة، تقديره: وأنه، فحذف ضمير الشأن، وكسر حمزة والكسائي الهمزة على الاستئناف، وفتحها الباقون.

قال الفراء: إن شئت جعلت " أَنَّ " مفتوحة بوقوع " أُتْلُ " عليها، وإن شئت جعلتها خفضاً على معنى: ذلكم وصاكم به وأنَّ هذا صراطي مستقيماً.

وسيبويه يقول: التقدير: ولأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه؛ كقوله:وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [المؤمنون: 52] والمشار إليه: القرآن ودين الإسلام.

{ فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } وهي: الضلالات والبدع.

أخبرنا أبو علي بن عبد الله بن الفرج في كتابه، أخبرنا أبو القاسم هبة الله الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي الواعظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان، أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي، حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، [عن] عاصم، عن أبي وائل، عن عبدالله رضي الله عنه قال: " خَطَّ رَسُولُ اللهِ خَطّاً بيَدِهِ ثمَّ قَالَ: هَذَا سَبيلُ اللهِ مُسْتَقيماً، ثمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، لَيْسَ مِنْهَا سَبيلٌ إِلاَّ وعَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثمَّ قَرَأ:َ { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } ".

وأخرج الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ فَلْيَقْرَأ هؤلاء الآيَاتِ: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ... } إِلَى قَوْلِهِ: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ".

وقال ابن عباس: هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب.