الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } * { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } * { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { فَإِن كَذَّبُوكَ } قال ابن عباس: يريد: المشركين.

وقال مجاهد: اليهود.

{ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } فغير بِدْع ولا بعيد أن لا يعاجلكم بالعقوبة لسعة رحمته، ولكنه أجّلكم إلى الوقت المقدر لعذابكم والانتقام منكم، { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }.

قوله تعالى: { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } هذا إخبار من الله تعالى لنبيّه بما سيقوله المشركون، فلما قالوه، قال:وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } [النحل: 35].

والمعنى: سيقول المشركون من عُبّاد الأصنام وغيرهم { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } يريدون: البحائر والسوائب.

قال الزجاج: زعم سيبويه أن العطف بالظاهر على المضمر المرفوع في الفعل قبيح، يستقبح: قمت وزيد، فإن جاءت " لا " حَسُنَ الكلام فقلت: ما قمتُ ولا زيد.

والمعنى: لو شاء لحال بيننا وبين ذلك، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأصنام وتحريم الحرث والأنعام. وهذه مجادلةٌ فاسدة؛ لأن لخصمِهم أن يقابل ما اعتلوا به من الشبه بمثله، ولا يلزم من ذلك كونه على الحق عندكم.

ثم إن الله أكذبهم فيما نسبوه إليه من الرضى بما هم عليه فقال: { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } قال ابن عباس: قالوا لرسلهم مثل ما قال هؤلاء لك، ولو أن الله أكذبهم في نسبتهم المشيئة إليه لقال: { كَذٰلِكَ كَذَّبَ } بالتخفيف.

{ قُلْ } لهم يا محمد على وجه التهكم بهم، { هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ } جاءكم به رسول أو نزل عليكم به كتاب، { فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ } فيما أنتم عليه من الدين إلا الباطل، { إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } أي: تكذبون.

{ قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ } حيث أنزل الكتب وبعث الرسل، وأوضح الدلائل، لأنكم أيها المحتجون لصحة شركهم وباطلهم والمعتقدون رضى الله بما هم عليه، حيث لم يقهرهم على تركه، بل أرخى لهم أعنّة تماديهم في ميادين غيّهم.

{ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } قال جويرية بن أسماء: سمعت علي بن زيد تلا هذه الآية: { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } فنادى بأعلى صوته: انقطع والله هاهنا كلام القدرية.

قوله تعالى: { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا }. " هَلُمّ " كلمة يستوي في الدعاء بها الواحد والاثنان والجماعة، والمذكر والمؤنث. هذه لغة أهل الحجاز، وبها جاء القرآن.

وأما بنو تميم وأهل نجد فإنهم يقولون للواحد: هَلُمَّ، وللاثنين: هَلُمَّا، وللجماعة: هَلُمُّوا، وللأنثى: هَلُمِّي، وللثنتين: هَلُمَّا، وللنسوة: هَلْمُمْنَ.

والمعنى: هاتوا شهداءكم. والمراد بهذا: تبكيتُهم وإظهار انقطاع حجتهم.

{ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا } يعني: ما ذَكَرَ من الحرث والأنعام مما حرمه المشركون.

{ فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } أي: لا توافقهم ولا تصدقهم، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } فحَرَّموا الحلال وحَلَّلوا الحرام، { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } سبق تفسيره.

السابقالتالي
2 3