قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ } أي: أبدع وأظهر " جنات معروشات " أي: ممسوكات، " وغير معروشات " أي: ومتروكات على وجه الأرض. وقال ابن عباس: " المعروشات ": ما انبسط على وجه الأرض وانتشر مما يعرش؛ كالكرم والقرع والبطيخ. " وغير معروشات ": ما قام على ساق وبسق؛ كالنخل وسائر الأشجار والزرع. وقال الضحاك: الكرم منه ما يعرش ومنه ما لم يعرش. وقيل: " المعروشات ": ما أنبته الناس في الأرياف والعمران، " وغير معروشات ": مما نبت بنفسه في البراري، كأن الذي أنبته الناس اهتمّوا به فعرّشوه، والذي نبت بنفسه في البراري غير معروش. تقول: عرشت الكَرْم؛ إذا جعلت له دعائم. قرأ علي عليه السلام: " مغروسات وغير مغروسات " ، بالغين المعجمة والسين المهملة فيهما. { وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ } يعني: ثمر النخل وحب الزرع، لكلِّ شيء منه طعم يُخالفُ طعم الآخر. و { مُخْتَلِفاً } حال مقدرة؛ لأنها لم يكن لها وقت الإنشاء أُكُلٌ فيوصف بالاختلاف. ومثله قوله تعالى:{ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73]. قال الزجاج: هذه مسألة شديدة في النحو إلا على من عرف حقيقتها، لأن للقائل أن يقول: كيف أنشأه في حال اختلاف أُكله وهو قد نشأ من قبل وقوع أَكُلِه؟ وأُكُلُهُ ثمره. فالجواب في ذلك: أنه عز وجل قد ذكر إنشاءَهُ بقوله:{ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 102]. فأعلم جل وعز أنه المنشئ له في حال اختلاف أُكُلِهِ، ويجوز أن يكون أنشأَهُ ولا أكل فيه مختلفاً أُكُلُه، لأن المعنى: مُقَدِّراً ذلك فيه، كما تقول: لَتَدْخُلُنَّ منزل زيد آكلين شاربين. فالمعنى: أنكم تدخلون مُقَدِّرِينَ ذلك. وسيبويه هو دلّ على هذا وبيّنه في قوله: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ معه صَقْرٌ صائداً به غداً، فنصب " صائداً " على الحال. والمعنى: مُقَدِّراً به الصيد. قوله تعالى: { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } أمرُ إباحة. { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قرأ ابن عامر وعاصم وأبو عمرو: " حَصَادِه " بفتح الحاء -وهي لغة بني تميم وأهل نجد-، وكسرها الباقون - وهي لغة أهل الحجاز -. قال سيبويه: وهو الأصل. وفي المراد بهذا الحق قولان: أحدهما: أنَّه الزكاة. قاله ابن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومحمد ابن الحنفية، وقتادة. فعلى هذا القول: الآية مدنية، وهي محكمة. والثاني: أنَّه حقٌّ غير الزكاة. قال مجاهد: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، وإذا دسته وذَرَيْتَه فاطرح لهم منه، وإذا أكدسته فاطرح لهم منه، فإذا عرفت كيله فاعزل زكاته. وقال الربيع: هو لقاط السنبل. وقال [يزيد] بن الأصم: كان أهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيعلقونه في جانب المسجد، فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه فيأخذه.