الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ } أي: ومثل ذلك الفعل القبيح.

{ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } قال الحسن ومجاهد: " شركاؤهم ": شياطينهم.

وقال قتادة: شركاؤهم في الشرك.

وقال الزجاج: سدنة الأصنام، زيّنوا لهم قتل أولادهم بوأد البنات خشية الفقر والنحر للآلهة.

قال ابن السائب: كان أحدهم يحلف إن وُلِد له كذا وكذا غلاماً لينحرنّ أحدهم، كما حلف عبد المطلب.

وقد اختلف القرّاء في هذا الحرف، فقرأ الأكثرون " زَيَّنَ " بفتح الزاي على البناء للفاعل، الذي هو " شركاؤهم " ، على معنى: زين لهم الشركاء قتل الأولاد، وهذا وجه ظاهر.

وقرأ ابن عامر: { زَيَّنَ } بضم الزاي، على البناء للمفعول الذي هو القتل، { أَوْلَٰدِهِمْ } بالنصب، أعملوا فيه القتل، { شُرَكَآؤُهُمْ } بالجر، على إضافة القتل إليهم، التقدير: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم، فأضاف القتل إلى الشركاء وإن لم يباشروه؛ لأنهم زينوه لآبائهم ودعوهم إليه.

وقد ضعفوا هذه القراءة للفصل بين المضاف والمضاف إليه.

قال أبو علي الفارسي: وهذا قبيح قليل الاستعمال، ولكنه جاء في الشعر، كما أنشده أبو الحسن الأخفش:
فَزَجَجْتُها مُتَمَكِّناً   زَجَّ القَلُوصَ أَبي مَزَادَهْ
أي: زجَّ أبي مزاده القلوص.

وقال الزمخشري: الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف شيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر، كان سمجاً مردوداً، فكيف في الكلام المنثور؟ فكيف [به] في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.

والذي حمله على ذلك: أن رأى [في] بعض المصاحف " شركائهم " مكتوباً بالياء، ولو قرأ بجرّ " الأولاد " و " الشركاء " ، لأن الأولاد شركاؤهم [في أموالهم] لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.

قلتُ: وقد روي عن ابن عامر أنه قرأ بجرّ " الأولاد " على الإضافة، وجرّ " الشركاء " على البدل من " الأولاد " ، لأنهم يشاركون آباءهم في النسب والميراث والدين.

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن البصري: " زُيّن " بضم الزاي، " قتلُ " بالرفع، كابن عامر، " أولادِهم " بالجرّ للإضافة، " شركاؤهم " بالرفع.

قال سيبويه: كأنه قيل: من زيّنه؟ قال: شركاؤهم.

قوله تعالى: { لِيُرْدُوهُمْ } أي: ليهلكوهم بالإغواء. واللام في " ليردوهم " و " ليلبسوا " -على قول الحسن ومجاهد أنَّ التزيين من الشياطين-: للتعليل والعرض، وعلى قول من قال: أنَّ التزيين من السدنة أو الشركاء في الشرك، فهي لام الضرورة.

{ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } أي: ليخلطوه.

قال ابن عباس: ليُدخلوا عليهم الشك، وكانوا على دين إسماعيل، فرجعوا عنه بتزيين الشياطين.

{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } أي: ما فعل المشركون ما زيّن لهم من قتل الأولاد، أو ما فعل الشركاء أو الشياطين أو السدنة التزيين ولا الإرداء ولا اللبس.

ثم هددهم فقال: { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } ، أي: فدعهم وما يختلقون من الإفك وما يتقوّلون من الباطل، فأنا الذي أجازيهم على افترائهم.

قال ابن عباس: كانوا إذا دفنوا بناتهم قالوا: إن الله أمرنا بذلك.