الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { ذٰلِكَ } إشارة إلى بعثة الرسل وإنذارهم سوء العاقبة، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر ذلك.

{ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } تعليل، أي: الأمر ما قصصنا عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم.

فعلى هذا { أَن } هي التي تنصب الأفعال. ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، على معنى: لأنَّ الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم. ولك أن تجعله بدلاً من " ذلك "؛ كقوله:وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ } [الحجر: 66].

وقوله: { بِظُلْمٍ } قال ابن عباس: بشرك.

وقيل: بذنوبهم ومعاصيهم.

فعلى هذا: المعنى: بسبب ظلم.

ويجوز أن يكون حالاً، على معنى: لم يكن ربك مهلك القرى ظالماً لهم حتى يوقظهم من غفلتهم ويرشدهم إلى طريق النجاة.

فإن قيل: قد ثبت بالبرهان القطعي أن الظلم مستحيلٌ على الله، وأنه لو أهلكهم قبل إنذارهم لم يكن ظالماً لهم، فكيف يصح هذا المعنى؟

قلتُ: لما كانت العقوبة قبل الإنذار ظلماً في عرف الناس بعضهم مع بعض وفيما يتوهمه الجاهلون مما يجوز على الله وما لا يجوز، خاطبهم بما يتعارفون وعلى ما يعتقده الجاهلون منهم ومن غيرهم.

والواو في قوله: { وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } واو الحال.

قوله تعالى: { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ } أي: ولكل عامل بطاعة أو معصيته، { دَرَجَٰتٌ } منازل ومراتب متفاوتة في الارتفاع والانحطاط، { مِّمَّا عَمِلُواْ } أي: من أجل ما عملوا.

{ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } قرأ ابن عامر: " تعملون " بالتاء، حملاً على ما بعده من المخاطبة. وقرأ الباقون: بالياء، حملاً على ما قبله ومن المغايبة.

والمعنى: وما ربك بغافل عما يعملون من الحسنات والسيئات، بل علم أجزاءها وأعدّ جزاءها.