قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } وقرأ الحسن: " تأتكم " بالتاء. { رُسُلٌ مِّنْكُمْ } تعلق الضحاك بظاهر الآية فقال: إن الله يبعث إلى الجن رسلاً منهم كما بعث إلى الإنس، وإليه ذهب مقاتل وأبو سليمان. وهو الذي تقتضيه الحكمة الإلهية، لأن الجنس بالجنس آنس، وإليه أميل. وقال مجاهد: الرّسل من الإنس، والنُّذُر من الجن، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا وينذرونهم، كما قال الله تعالى:{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ } [الأحقاف: 29]. وقال آخرون -منهم ابن جريج والزجّاج-: الرسل من الإنس خاصة، وإنما قال: " رسل منكم " لأنه لما جمع الإنس والجن في الخطاب صحّ ذلك، وإن كان من أحدهما؛ كقوله:{ يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } [الرحمن: 22]، وإنما يخرج من المِلْح وحده. ولا خلاف بين أهل العلم أن محمداً بُعث إلى الإنس والجن. أخرج الإمام أحمد في المسند، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: " بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ. قَالَ: الأَحْمَرَ: الإِنْسُ، وَالأَسْوَدَ: الْجِنُّ ". وقال ابن عباس: كانت الرسل تُبعثُ إلى الإنس خاصة، ورسول الله بُعث إلى الإنس والجن. قوله تعالى: { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } أي: يقرؤون عليكم كتبي، { وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أي: يُخوّفونكم بيوم القيامة، { قَالُواْ شَهِدْنَا } أي: أقررنا { عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } أو شهد بعضنا على بعض بإنذار الرسل. ثم أخبر الله تعالى عن حالهم فقال: { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }. قال مقاتل: حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر.