الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } قرأ حفص: { يحشرهم } بالياء، حملاً على لفظ الغيبة في قوله:لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ } [الأنعام: 127]. وقرأ الباقون بالنون، على الإخبار من الله تعالى عن نفسه.

والمعنى: اذكر يوم نحشر الثقلين الإنس والجنّ جميعاً في موقف القيامة.

و " جميعاً " حالٌ من المفعول.

{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } فيه إضمارٌ تقديره: فيُقال لهم: يا معشر الجنِّ.

والمعْشَرُ: الجماعة أمرهم واحد، والجمع: مَعَاشِر.

والمراد بشياطين الجنّ: مَرَدَتُهم.

{ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ } أي: من إغوائهم واستهوائهم، حتى صاروا لكم أشياعاً وأتباعاً.

{ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } أي: وقال أولياء الجن الذين أطاعوهم من الإنس: { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } ، أي: انتفع بعضنا ببعض، واستمتاع الإنس بالجن ما حصل لهم من الشهوات بواسطة تسويلهم وتسهيلهم، واستمتاع الجن بالإنس طاعتهم لهم فيما زيّنوه لهم من الكفر والمعاصي.

فإن قيل: أي غرض لهم ونفع في كفر الإنس ومعصيتهم؟

قلت: هم قوم طبعوا على الشّر، فهم يرتاحون إلى اجتذاب الإنس إليه وإن لم يكن لهم فيه نفع، كما قيل:
من الناسِ من يرتاحُ للشرِّ طبعُه   وإن لم يكن فيه غِنىً وغِنَاء
كما يشرف الياقُوت والدُّرّ عقعق   وليسَ له في ذا وذاكَ غِذاء
وقيل: استمتاع الإنس ما في قوله:وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ } [الجن: 6]، وكان الرجل إذا نزل وادياً أو أراد مبيتاً قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله.

واستمتاعُ الجن: فخرُهم بذلك على قومهم حيث اعترف لهم الجن والإنس بالسيادة. وهذان القولان مرويان عن ابن عباس.

وقيل: استمتاع الجن: إغواؤهم الإنس، واستمتاع الإنس: ما يتلقونه منهم من السحر والكهانة.

{ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا } وهو أجل البعث بعد الموت، وهذا الاعتراف خارج مخرج الاعتذار والندم والاستسلام لما يُراد بهم يوم القيامة.

{ قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ } قال ابن عباس: يريد: فيها مقامكم.

{ خَٰلِدِينَ فِيهَآ } منصوب على الحال.

{ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } وهو قدر ما بين بعثهم إلى دخولهم النار، كأنه قيل: داخلين فيها منذ يبعثون إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم وحسابهم، وهذا اختيار الزجَّاج.

وقال ابن عباس: استثنى الله قوماً قد سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي.

و " ما " على هذا القول بمعنى: " مَن " ، ويكون الاستثناء من المضاف إليه في قوله: { مَثْوَٰكُمْ }.

وقيل: " إلا ما شاء الله " من أنواع العذاب، فقد روي أنهم يعذبون بالزمهرير، فينقادون ويطلبون الرد إلى الجحيم.