قوله تعالى: { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أي: لينظر أحدكم ما الذي قدّم ليوم القيامة من الأعمال، فهل قدّم صالحاً أو طالحاً؟ والمراد من ذلك: الحضّ على ما يُقرِّب من الجنة ويُبعد من النار. فإن قيل: لم نكّر النفس والغد؟ فقد أجاب عنه صاحب الكشاف فقال: أما تنكير النفس فاستقلال للأنفس النواظر فيما قدّمن للآخرة، كأنه قال: فلتنظر نفس واحدة في ذلك. وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره، كأنه قيل: لغد لا يُعرف كُنهه لِعِظَمه. فإن قيل: بين نزول هذه الآية وبين يوم القيامة زمن طويل، فما معنى قوله: " لغد "؟ قلتُ: عنه جوابان: أحدهما: أنه أراد تقريبه، فجعله في القُرب بمنزلة الغد؛ تهييجاً لدواعي العباد على الاستعداد له والعمل لأجله، كما قرّب زمن إهلاك القرون الماضية فقال:{ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [يونس: 24]؛ [ليكون] ذلك في جهة الاعتبار والادّكار، كأنه بالنسبة إلى يومهم الحاضر أمسهم الذاهب، فإنه أبلغ في الموعظة والتخويف. الثاني: أنه عبّر عن الآخرة بالغد؛ تنزيلاً للآخرة والدنيا على أنهما نهاران: يوم وغد. فإن قيل: لم كرّر الأمر بالتقوى؟ قلتُ: عنه جوابان: أحدهما: أنه كرّره توكيداً، وهذا [باب] واسع في كلام العرب والكتاب العزيز. وقد سبق ذكره في مواضع. والثاني: أن الأمر الأول بالتقوى يجوز أن يكون المراد به: اتقوا الله في [امتثال ما أُمرتم به من الطاعات. والثاني يجوز أنه يراد به: واتقوا الله في] اجتناب ما نُهيتم عنه من المعاصي؛ لأنه عقَّب كل واحد من الأمرين بما يدُل على هذا التفسير، فحينئذ [يَسْلَم بهذا التقرير] من التكرير. قوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ } من قبل { فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } قال الزجاج: تركوا ذكْره وما أمرهم به، فترك ذكْرهم بالرحمة والتوفيق. وقيل: فأنساهم أنفسهم؛ لشدة ما لاَبَسَهُم في الآخرة من أهوال القيامة. قال ابن عباس: يريد: قريظة والنضير وبني قينقاع، وهو قوله: { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }. فإن قيل: لا يخفى على أدنى من له مُسْكَة من عقل أن أصحاب الجنة وأصحاب النار لا يستويان، فما معنى نفي المساواة بينهما؟ قلتُ: المقصود: تنبيه العباد من رقدة غفلتهم عن الآخرة، كما تقول لرجل مُنهمك على أفعال تجلب له بها ضرراً: إنّها نفسك، فتجعله بمنزلة من لا يعرف نفسه، فتنبّهه بذلك على خطر النفس وشرفها، ولزوم السعي لأسباب حفظها.