الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

قوله تعالى: { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أي: لينظر أحدكم ما الذي قدّم ليوم القيامة من الأعمال، فهل قدّم صالحاً أو طالحاً؟

والمراد من ذلك: الحضّ على ما يُقرِّب من الجنة ويُبعد من النار.

فإن قيل: لم نكّر النفس والغد؟

فقد أجاب عنه صاحب الكشاف فقال: أما تنكير النفس فاستقلال للأنفس النواظر فيما قدّمن للآخرة، كأنه قال: فلتنظر نفس واحدة في ذلك.

وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره، كأنه قيل: لغد لا يُعرف كُنهه لِعِظَمه.

فإن قيل: بين نزول هذه الآية وبين يوم القيامة زمن طويل، فما معنى قوله: " لغد "؟

قلتُ: عنه جوابان:

أحدهما: أنه أراد تقريبه، فجعله في القُرب بمنزلة الغد؛ تهييجاً لدواعي العباد على الاستعداد له والعمل لأجله، كما قرّب زمن إهلاك القرون الماضية فقال:كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [يونس: 24]؛ [ليكون] ذلك في جهة الاعتبار والادّكار، كأنه بالنسبة إلى يومهم الحاضر أمسهم الذاهب، فإنه أبلغ في الموعظة والتخويف.

الثاني: أنه عبّر عن الآخرة بالغد؛ تنزيلاً للآخرة والدنيا على أنهما نهاران: يوم وغد.

فإن قيل: لم كرّر الأمر بالتقوى؟

قلتُ: عنه جوابان:

أحدهما: أنه كرّره توكيداً، وهذا [باب] واسع في كلام العرب والكتاب العزيز. وقد سبق ذكره في مواضع.

والثاني: أن الأمر الأول بالتقوى يجوز أن يكون المراد به: اتقوا الله في [امتثال ما أُمرتم به من الطاعات. والثاني يجوز أنه يراد به: واتقوا الله في] اجتناب ما نُهيتم عنه من المعاصي؛ لأنه عقَّب كل واحد من الأمرين بما يدُل على هذا التفسير، فحينئذ [يَسْلَم بهذا التقرير] من التكرير.

قوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ } من قبل { فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } قال الزجاج: تركوا ذكْره وما أمرهم به، فترك ذكْرهم بالرحمة والتوفيق.

وقيل: فأنساهم أنفسهم؛ لشدة ما لاَبَسَهُم في الآخرة من أهوال القيامة.

قال ابن عباس: يريد: قريظة والنضير وبني قينقاع، وهو قوله: { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }.

فإن قيل: لا يخفى على أدنى من له مُسْكَة من عقل أن أصحاب الجنة وأصحاب النار لا يستويان، فما معنى نفي المساواة بينهما؟

قلتُ: المقصود: تنبيه العباد من رقدة غفلتهم عن الآخرة، كما تقول لرجل مُنهمك على أفعال تجلب له بها ضرراً: إنّها نفسك، فتجعله بمنزلة من لا يعرف نفسه، فتنبّهه بذلك على خطر النفس وشرفها، ولزوم السعي لأسباب حفظها.