الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } يعني: عبد الله بن أبيّ وأصحابه، { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ } في الكفر، وهم اليهود { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ } يعنون: من المدينة { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ } أي: في قتالكم وفي خذلانكم { أَحَداً أَبَداً }.

ثم وعدوهم النصر بقوله: { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } ، قال الله مكذباً لهم في مواعيدهم: { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.

ثم أخبر الله أنهم لا يفعلون ذلك فقال: { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } أي: ولئن وجد منهم نصرة على سبيل [الفَرَض] والتقدير { لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ } منهزمين.

ثم استأنف الله الإخبار بخذلانهم فقال: { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } يعني: بني النضير لا يصيرون منصورين إذا انهزم [ناصروهم] بعد ذلك.

قوله تعالى: { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً } أي: لأنتم أيها المؤمنون أشد رهبة { فِي صُدُورِهِمْ } قال مقاتل: في صدور المنافقين.

وقال غيره: في صدور اليهود.

ويجوز عندي: أن يراد الجميع.

{ مِّنَ ٱللَّهِ } أي: من رهبة الله، على معنى: من رهبتهم الله.

قال ابن عباس: هم منكم أشد خوفاً من الله.

{ ذَلِكَ } الخوف الذي بهم منكم { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } عظمة الله وشدة انتقامه من أعدائه.

ثم ذكر أثر ذلك فقال: { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً } أي: لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين متساندين، يعني: اليهود والمنافقين، { إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } بالخنادق والدروب، { أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ } دون أن يبرزوا ويُصْحِروا لكم.

قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " جدار " على لفظ الواحد، والمراد الجمع.

وقرأ الباقون: " جُدُر " بضم الجيم والدال على الجمع، كحِمَار وحُمُر.

وقرأ أبو بكر الصديق وابن أبي عبلة: " جَدَرٍ " بفتح الجيم [والدال.

وقرأ عمر بن الخطاب ومعاوية وعاصم الجحدري: " جَدْرٍ " بفتح الجيم] وسكون الدال، وهي لغة في الجدار.

وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبدالرحمن السلمي وعكرمة والحسن وابن سيرين وابن يعمر: بضم الجيم وسكون الدال، مخففة من جُدُر.

{ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } أي: بأسهم الذي يُوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا، ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس؛ لأن الشجاع يجبُن، والعزيز يَذِلُّ عند محاربة الله ورسوله.

قال الواحدي: بعضهم فظّ على بعض، وبينهم مخالفة وعداوة.

{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً } مجتمعين مؤتلفين { وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } مفترقة غير متّفقة، ومختلفة غير مؤتلفة.

وهذا أحد الأسباب التي [فَلَّ] اللهُ بها جَمْعَ اليهود وكسر شوكتهم.

وقال مجاهد: أراد أن دين المنافقين يخالف دين اليهود.

وفي ذلك تشجيع للمؤمنين عليهم، وإغراء لهم بهم.

{ ذَلِكَ } إشارة إلى اختلافهم فيما بينهم، { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أَنَّ تَشَتُّتَ قلوبهِم مما يُوهنُهُم ويخذُلُهم.

ثم ضرب الله تعالى لليهود مثلاً، فذلك قوله تعالى: { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً } أي: مَثَلُ اليهود كمثل الذين من قبلهم في زمان قريب.

السابقالتالي
2 3 4