الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } وهم الأنصار. وهذه الجملة معطوفة على " المهاجرين ".

قال أبو علي: المعنى: تبوؤوا الدار ودار الإيمان من قبلهم.

وقال غيره: تبوؤوا الدار وآثروا الإيمان، أو وقبلوا الإيمان من قبلهم.

قال الزمخشري: المعنى: تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان؛ كقوله:
وعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً   ....................
أو جعلوا الإيمان مستقَرّاً ومتوَطَّناً لهم؛ لتمكنهم منه، واستقامتهم عليه، كما جعلوا المدينة كذلك. أو أراد دار الهجرة ودار الإيمان، فأقام لام التعريف في " الدار " مقام المضاف إليه، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه. أو سمى المدينة داراً؛ لأنها دار الهجرة، ومكان ظهور الإيمان بالإيمان، " من قبلهم " أي: من قبل المهاجرين؛ لأنهم سبقوهم في تبوء دار الهجرة والإيمان.

وقيل: من قبل هجرتهم.

{ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } وهذا من أحسن ما وصفَهم به؛ لأنه أخبر أنهم يفعلون ذلك مع المهاجرين، مع محبتهم لهم وميلهم إليهم، وفيه تحقيقٌ لمعنى كرم طباعهم بأبلغ الطرق.

{ وَلاَ يَجِدُونَ } يعني: الأنصار { فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ }. قال المفسرون: لا يجدون في صدورهم غيظاً وحَسَداً مما أوتي [المهاجرون] من الفيء والغنيمة، وخُصّوا به دونهم.

وقال أبو علي: التقدير: لا يجدون في صدورهم مسّ حاجة من فقد ما أوتوا، فحذف المضافين.

وقال غيره من أهل المعاني: يعني: أنهم لم تتبع نفوسهم ما أعطوا، ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج إليه.

{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } أي: يؤثرون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم [حاجة] شديدة، وذلك أنهم قاسموهم ديارهم وأموالهم، وآثروهم بما أفاء الله على رسوله.

وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم للمهاجرين ما أفاء الله عليه من النضير [وقيل] من قريظة، على أن يَرُدَّ المهاجرون على الأنصار ما كانوا أعطوهم من أموالهم، فقالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا ونؤثرهم بالفيء، فأنزل الله هذه الآية.

وبالإسناد السالف قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدثنا أبو أسامة، حدثنا فضيل بن غزوان، حدثنا أبو حازم الأشجعي، عن أبي هريرة قال: " أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يُضيفه هذه الليلة يرحمه الله، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئاً. قالت: والله! ما عندي إلا قوت الصبية. قال: فإذا أراد الصبية العَشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب الله أو ضحك الله من فلان وفلانة، فأنزل الله عز وجل: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } "

السابقالتالي
2 3