الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ } نزلت في اليهود والمنافقين، كانوا يتناجون فيما بينهم، ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوؤهم، فيحزنون لذلك. فلما طال ذلك وكثر شَكَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم أن يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا.

والنَّجْوَى: مشتق من النَّجْوَة، وهو ما ارتفع وبَعُدَ؛ سميت بذلك؛ لبُعد الحاضرين عنها.

وحكى ابن سراقة: أن السِّرار: ما كان بين اثنين، والنجوى: ما كان بين ثلاثة.

{ وَيَتَنَاجَوْنَ } وقرأ حمزة ويعقوب بخلاف عنه: " ويَنْتَجُون " مثل: يَشْتَرُون. والمعنى: ويتناجون { بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } على المؤمنين { وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } لأنه نهاهم عن النجوى.

{ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } وهو قول اليهود ومن انتحل مذهبهم من المنافقين: السَّام عليك.

أخرج الإمام أحمد في المسند قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: " [استأذن] رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، فقالت عائشة: فقلت: بل السام عليكم واللعنة، قال: يا عائشة! إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله. قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلتُ: وعليكم ".

وأخرجه البخاري عن أبي نعيم، ومسلم عن زهير كلاهما عن ابن عيينة.

قال ابن زيد والزجاج: السَّام: الموت.

وكانوا إذا خرجوا يقولون فيما بينهم: لو كان نبياً لاستجيب له فينا، فذلك قولهم: { لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ }.

فإن قيل: ما الذي حيّاه الله تعالى به؟

قلتُ: قوله تعالى:وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } [النمل: 59]، فالسلام هو التحية التي ارتضاها للأنبياء والأولياء في الجنة.

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } قال عطاء ومقاتل: يريد: المنافقين. على معنى: آمَنُوا بألسنتهم أو على زعمهم.

ويجوز عندي: أن يكون على طريقة التهكم بهم، كقول الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحجر: 6].

وذكر جماعة، منهم الزجاج: أنه خطابٌ للمؤمنين، نُهوا أن يفعلوا فعل اليهود والمنافقين، فقال: { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ... الآية }.

ثم أخبر أن ذلك من فعل الشيطان فقال: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } من تزيينه وتسويله، { لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوهم يتناجون ترامت بهم الظنون وقالوا: لعلهم قد سمعوا عن إخواننا الذين خرجوا في السرايا قتلاً وهزيمة، وما أشبه ذلك مما يحزنهم.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى التي هي في مظنة الأذى، ففي الصحيح من حديث ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجينَّ اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه ".

قوله تعالى: { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ } أي: وليس الشيطان. وقيل: الحزن بضار المؤمنين { شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } قال مقاتل: إلا بإذن الله في الضرّ.

ثم ندب الله تعالى المؤمنين إلى الالتجاء إليه والاعتماد عليه فقال: { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }.