الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ } قرأ عاصم: " يُظَاهِرُونَ " بضم الياء وتخفيف الظاء، وبعدها ألف وكسر الهاء وتخفيفها، من ظَاهَرَ يُظَاهِرُ. وقرأ الحرميان وأبو عمرو: بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء وفتحها من غير ألف، من ظَهَّرَ، مثل: ضَعَّف. وقرأ الباقون كذلك، إلا أنهم أثبتوا ألفاً بعد الظاء، وخففوا الهاء، وكذلك الموضع الثاني.

قال أبو علي: هو مضارع تَظَهَّرَ يتظَهَّرُ، مثل: تكرَّمَ يتَكَرَّم، والجميع: يتظهّرون، مثل: يتكرّمون، ثم أدغمت التاء في الظاء فصار: يظهَّرون، وقراءة الباقين مضارع تَظَاهَرَ يتَظَاهَرُ، مثل: تَضَارَبَ يتَضَارَبُ، وللجميع: يتظاهرون، ثم أدغمت التاء في الظاء لمقاربتها لها.

وقرأ ابن مسعود: " يتظاهرون ".

وقرأ أبي بن كعب: " يتظهّرون " بتاء بعد الياء على الأصل.

ومعنى ذلك: أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي.

وسُمِّي ظِهاراً؛ لأنه قُصد به تحريم ظهرها عليه، وقد كان في الجاهلية طلاقاً بائناً لا رجعة فيه ولا إباحة بعده، فرجع إلى ما أقرّه الله عليه وذكره هاهنا.

قوله تعالى: { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } وروى المفضل عن عاصم: برفع التاء وضم الهاء، والقراءتان على اللغتين الحجازية والتميمية.

قال الفراء في قراءة المفضل: هي لغة نجد، وأنشد:
ويزعُمُ حَسْلٌ أنه فَرْعُ قومِهِ   وما أنتَ فرعٌ يا حُسَيلُ ولا أصلُ
والمعنى: لَسْنَ [بأمهاتهم].

{ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ } أي: ما أمهاتهم على الحقيقة { إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ } يعني: المظاهرين { لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ } لا يُعرف في شريعة { وَزُوراً } كذباً وباطلاً { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } فلذلك تجاوز عنهم، وشرع لهم الكفارة.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } قال صاحب الكشاف: يعني: والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول المنكر فقطعوه بالإسلام، ثم يعودون لمثله، فكفارة من عاد أن يحرر رقبة ثم يَمَاسَّ المظاهر منها.

ووجه آخر: " ثم يعودون لما قالوا ": ثم يتداركون ما قالوا؛ لأن المتدارك للأمر عائد إليه. والمعنى: أنَّ تدارك هذا القول بأن يكفّر حتى يرجع حالهما كما كانت قبل الظهار.

ووجهٌ ثالث: وهو أن يراد بما قالوا: ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار، تنزيلاً للقول منزلة المقول فيه، ويكون المعنى: ثم يريدون العود للتَّماس. هذا تمام كلامه. وهذا الوجه الثالث هو قول سعيد بن جبير.

المعنى: يريدون أن يعودوا للجماع.

قال الحسن وطاووس والزهري: العَوْدُ: الوَطْء.

وقال الشافعي: العَوْد: هو أن يُمسكها بعد الظهار مدةً يمكنه [طلاقها] فيها فلا يطلقها، فإذا وجد هذا استقرت عليه الكفارة.

وقال شيخنا الإمام أبو محمد عبدالله بن أحمد المقدسي: العَوْدُ: هو الوطء، في ظاهر كلام أحمد والخرقي.

قلت: وهذا مذهب الحسن وطاووس والزهري.

السابقالتالي
2 3 4 5