الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ } قرأ عاصم: " في المجالس " على إرادة العموم، أو لأن مجلسَ الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسٌ لكل واحد منهم. وقرأ الباقون: " في المجلس ".

قال مقاتل بن حيان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر، فجاء ناس منهم يوماً وقد سُبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون أن يُوسع لهم فلم يوسع، فشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لمن حوله: قم يا فلان قم يا فلان، وشقّ ذلك على من أقيم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضَنُّوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم الله أن يَفْسَحَ بعضُهم لبعض.

ومعنى: تفسحّوا توسعّوا.

{ فَٱفْسَحُواْ } أي: ليفسح بعضكم لبعض، { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } في الجنة.

وقيل: في كل ما تحبون الفسحة فيه، من مكان ورزق وقبر وغيره.

وقيل: نزلت في مراكز القتال، وهو قول ابن عباس والحسن وأبي العالية في آخرين.

وكانوا رضي الله عنهم يتراصّون فيها، فيأتي الرجل الصف فيقول: تفسحّوا لي، فيأبون؛ حرصاً على الشهادة.

{ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } قرأ نافع وابن عامر وعاصم: بضم الشين. والابتداء على هذه القراءة: " أُنشزوا " بضم الهمزة.

قال الحسن: إذا قيل لكم انهضوا إلى قتال عدوكم فانهضوا.

وقال قتادة: إذا دُعيتم إلى خير فأجيبوا.

وهو عامّ في كل ما يأمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصله من النَّشْز، وهو المكان المرتفع.

{ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من المؤمنين [ { دَرَجَاتٍ }.

قال ابن عباس: يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين] على الذين لم يؤتوا العلم درجات.

وكان ابن مسعود يقول: أيها الناس! افهموا هذه الآية ولْترغّبْكُم في العلم، فإن الله يرفعُ المؤمن العالم فوق من لا يعلم درجات.

قال الماوردي: يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: أن يكون إخباراً عن حالهم عند الله تعالى في الآخرة.

والثاني: أن يكون [أمراً] برفعهم في المجالس المقدم ذكرها، ليترتّب الناس فيها بحسب فضائلهم في الدين والعلم.

وهذه الآية من جملة دلائل فضل العلم وأهله، وفي ذلك من الآثار والأخبار والدلائل العقلية ما لو ذكرتُ شطره لطال الكتاب، فتطلّبْ ذلك في أماكنه ومظانّه تجده.