الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } خطاب لأهل الكتابين { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم، كما آمنتم بموسى وعيسى، { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } سبق معنى " الكِفْل " في النساء.

والمعنى: يؤتكم كِفْلين بسبب إيمانكم الأول والثاني. ومنه الحديث الصحيح: " أيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد فله أجران " أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن زيد: يؤتكم أجر الدنيا والآخرة.

{ وَيَجْعَل لَّكُمْ } على الصراط { نُوراً تَمْشُونَ بِهِ }.

وقيل: يجعل لكم نوراً وهو القرآن. والقولان عن ابن عباس.

قوله تعالى: { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } قال الفراء: العرب تجعل " لا " صلة في كل كلام دخل في آخره أو في أوله جحد، فهذا مما جعل في آخره جحد.

واللام في لـ " يعلم " يتعلق بـ " يؤتكم كفلين " ، وما في حيزها.

المعنى: يؤتكم لإيمانكم أجركم مرتين، ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

{ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ } " أنْ " مخففة من الثقيلة بإضمار الشأن، على معنى: أن الشأن لا يقدرون على شيء من فضل الله، وأنهم لا أجر لهم.

{ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } فآتى المؤمنين أجرهم مرتين.

قال الواحدي -وقد ذكر هذا المعنى-: هذه آية مشكلة، ليس للمفسرين ولا [لأهل] المعاني فيها بيان ينتهي إليه، ويلفّق بينه وبين الآية التي قبلها، وأقوالهم مختلفة متدافعة، وقد بان واتضح المعنى فيما ذكرناه.

ولقد صدق الواحدي رحمه الله، فإنني تتبعت كثيراً من كتب التفسير والمعاني، فلم [أظفر] بقولٍ يكشف عن وجه المقصود ويوضح ارتباط إحدى الآيتين بالأخرى.

وفي الذي ذكره واعتقد اتضاح المعنى به وقفةٌ.

والذي يظهر في نظري: أن المعنى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } من أهل الكتابين، واستثمروا من إيمانهم علماً جازماً بمعرفة محمد صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون دفاعه عنهم، بل يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } بترك العناد والحسد، { وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ } الذي تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل، { يُؤْتِكُمْ... } إلى آخر الآية.

ثم قال: { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } أي: يؤتكم إذا اتقيتم وآمنتم كِفْلين، ويجعل لكم نوراً، ويغفر لكم ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم { أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ } ، إذ لو قدروا عليه لما رضوا لأنفسهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة، وليعلموا أن الفضل بيد الله في ملكه وتصرفه وتحت قدرته، فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وليس لهم إلى هداية أنفسهم والقدرة على شيء من فضل الله من الإسلام وغيره سبيل إلا بإذنه، { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } ممن خَلَقَه [للسعادة] وعَلِمَ أنه أهل لها { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }.