الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

قوله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ } يعني: من انقطاع المطر ونقصان الثمر وغير ذلك، { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } من الأمراض وموت الأولاد وغير ذلك، { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ } وهو اللوح المحفوظ، ومحله: الحال، تقديره: إلا مكتوباً أو مثبتاً في كتاب { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } أي: من قبل أن نخلق الأنفس أو المصيبة.

وقال سعيد بن جبير: من قبل أن نبرأ الأرض والنفس.

{ إِنَّ ذَٰلِكَ } أي: إن تقدير ذلك وإثباته في كتاب من قبل كونه { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }.

ثم بَيَّنَ الحكمة في ذلك، فقال: { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } أي: تحزنوا { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من الدنيا مما لا يُقَدَّرُ لكم { ولا تفرحوا بما آتاكم } قرأ أبو عمرو وحده من بين القرّاء العشرة: " بما أتَاكُم " بقصر الهمزة، جعله فعلاً ماضياً، بمعنى: جاءكم ليُعَادِل به ما فاتكم، فكما أن الفعل [للفائت] في قوله: " فاتكم " ، كذلك يكون الفعل [للآتي] في [قوله]: " بما أتاكم " ، والعائد إلى الموصول بين الكلمتين، أعني: " فاتكم " و " أتاكم " هو الضمير المرفوع، بأنه فاعل.

ومن قرأ: " بما آتاكم " بالمد، فمعناه: بما أعطاكم، والفاعل هو الله تعالى.

والمراد: لكيلا تُفرطوا في الأسى والفرح.

قال ابن عباس: ليس أحدٌ إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن العاقل من جعل الفرح شكراً، والحزن صبراً.

وقال جعفر الصادق عليه السلام: يا ابن آدم! ما لك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت، وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت.

وقيل لبرزجمهر: ما لك أيها الحكيم، لا تأسف على ما فات ولا تفرح بما هو آت، فقال: إن الفائت لا يُتلافى بالعبرة، والآتي لا يُستدام [بالحَبْرَة].

وكان سالم الخواص يقول: من أراد أن يأكل الدارين فليدخل في مذهبنا عامين [ليضع] الله [تعالى] الدنيا والآخرة بين يديه، قيل: وما مذهبكم؟ قال: الرضا بالقضاء ومخالفة الهوى، وأنشد:
لا تُطِلِ الحُزْنَ على فائتٍ   فَقَلَّما يُجدي عليكَ الحزن
سِيَّانِ محزونٌ على ما مضى    ومُظهِرٌ حُزناً لما لم يكن
وقال قتيبة بن سعيد: دخلت بعض أحياء العرب، فإذا أنا بفضاء من الأرض [مملوء] من الإبل موتى، بحيث لا أحصي عددها، فسألت عجوزاً: لمن هذه الإبل؟ فأشارت إلى شيخ على تلٍّ [يغزل] الصوف، فقلت له: [يا شيخ] ألك كانت هذه الإبل؟ قال: كانت باسمي. قلت: فما أصابها؟ قال: ارتجعها الذي أعطاها، قلت: فهل قلت في ذلك شيئاً؟ قال: نعم:
لا والذي أنا عَبْدٌ من خَلائِقِهِ   والمرءُ في الدَّهْرِ نصبُ الرُّزءِ والمحن
ما سَرَّني أنّ إبلي في مَبَارِكَها    وما جَرَى في قضاء الله لم يكن
وما بعد هذه الآية مُفسّر في النساء إلى قوله: { وَمَن يَتَوَلَّ } أي: من يُعْرِضْ عن أوامر الله ونواهيه { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } لم يأمركم وينهاكم لنفع يعود عليه بل عليكم، { ٱلْحَمِيدُ } فهو يستحق الحمد منكم بإحسانه إليكم.

السابقالتالي
2