قوله تعالى: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ } أي: نحن قدَّرنا هيئتكم وأوجدناكم، { فَلَوْلاَ } أي: فهلاّ { تُصَدِّقُونَ } بالبعث وتعتبرون إحدى النشأتين بالأخرى، أو فهلاّ تصدقون بالحق تصديقاً لا مناقضة فيه، فإن الإقرار بالخلق الأول مع إنكار الخلق الثاني متناقضان. { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } وقرأ أبو [السَّمَّال]: " تَمْنُون " بفتح التاء. وقد ذكرنا أنهما لغتان، أمْنَى ومَنَى. والمعنى: أخبروني ما تلقونه في أرحام النساء { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ }. قرأتُ على أبي المجد القزويني، أخبركم الإمام أبو منصور محمد بن أسعد العطاري فأقر به قال: سمعت الإمام أبا محمد الحسين بن مسعود البغوي يقول: روي عن علي رضي الله عنه: أنه قرأ في الصلاة بالليل: { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } قال: بل أنت يا رب ثلاثاً، وكذلك في قوله:{ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 64]،{ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } [الواقعة: 69]. { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } وقرأ ابن كثير: " قَدَرْنا " بالتخفيف، وهما لغتان بمعنى واحد. قال الضحاك: سوينا بينكم فيه. فيكون التقدير بمعنى: القضاء. وقال مقاتل: المعنى: منكم من يموت كبيراً، ومنكم من يموت صغيراً وشاباً وشيخاً. { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي: بمغلوبين. { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ } قال الزجاج: المعنى: إن أردنا أن نخلق خلقاً غيركم لم يسبقنا سابق ولا يفوتنا ذلك. { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من الصور. قال مجاهد: نخلقكم في أيّ خلق شئنا. فمعنى الآية: وما نحن بمسبوقين على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم، وعلى أن ننشئكم في خلق لا تعلمونه. وقيل: تقديره: على أن نبدلكم بأمثالكم، فحذف المفعول الأول، والجارّ من المفعول الثاني. وقيل: الأمثال: جمع مثل، بمعنى الصفة، أي: نبدّل صفاتكم وأخلاقكم وننشئكم في صفات لا تعلمونها. { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } أقرّيتم بها واعترفتم بصحّة كونها، { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } فتستدلوا بالنظير على النظير.