الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } * { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } * { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } * { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } * { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } * { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { وَحُورٌ عِينٌ } * { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } * { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } * { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }

قوله تعالى: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } " ثُلَّة ": خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هم ثُلَّة.

والثُّلَّة: الجماعة الكثيرة لا يحصرها عدد.

قال مقاتل: يعني: سابقي الأمم.

{ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } من هذه الأمة، يريد مقاتل: أن سابقي هذه الأمة قليل بالنسبة إلى سابقي الأمم الماضية.

وقيل: ثُلّة من الأولين من متقدمي هذه الأمة، وقليل من متأخريها؛ لأن الذين اتبعوهم بإحسان قليل بالنسبة إليهم.

قوله تعالى: { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } قال ابن عباس وغيره: مرمولة منسوجة بالذهب والجواهر، قد أدخل بعضُها في بعض، ومنه سمي النِّسْع: الوَضِين. ومنه بيت الأعشى:
ومنْ نَسْجِ داودَ مَوْضُونةٌ     ........................
وقول الآخر:
وبيضاءَ كالنهيِ موضونة     .........................
وقال الضحاك: " مَوْضُونة ": مصفوفة، وهي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

قال ابن السائب: طول كل سرير ثلاثمائة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت له، فإذا جلس عليها ارتفعت.

قوله تعالى: { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } قال الزجاج والزمخشري: " متكئين ": حال من الضمير في " على " ، وهو العامل في الحال، أي: استقروا عليها متكئين، { مُتَقَابِلِينَ } لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض. وُصفوا بحُسْن العشرة وتهذيب الأخلاق [والآداب].

قوله تعالى: { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } أي: مُبْقَوْنَ أبداً على شكل الولدان، لا يكبرون ولا ينقصون ولا يتغيرون ولا يموتون. هذا قول جمهور العلماء.

وقال سعيد بن جبير: مُقَرَّطون.

وقال الفراء وابن قتيبة وغيرهما: مُحَلَّوْنَ بالأسورة والأقراط، وأنشدوا:
ومُخَلَّداتٌ باللُّجَيْن كأنما     أعْجَازُهُنَّ أقَاوِزُ الكُثْبَان
قال أهل اللغة: " الأباريق ": فارسي مُعرَّب، وقد تكلمت به العرب قديماً. قال عدي بن زيد:
ودَعَا بالصَّبُوحِ يوماً فجاءت    قَينةٌ في يمينها إبريق
قال الزجاج وغيره من المفسرين واللغويين: [الأكواب]: آنية لا عُرى لها ولا خراطيم.

{ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي: بسببها؛ كخمر الدنيا.

وقيل: لا يُفَرَّقُون عنها.

وما لم أفسره هاهنا مُفسَّر في الصافات، أو ظاهر إلى قوله تعالى: { وَحُورٌ عِينٌ }.

قرأ حمزة والكسائي: بالجر فيهما، وقرأ الباقون من السبعة: بالرفع.

وقرأ أبي بن كعب وعائشة وأبو العالية والجحدري: بالنصب.

فمن قرأ بالجر: عطفه على ما قبله؛ إما لأنه ليس من شرط المعطوف مشاركة المعطوف عليه في المعنى، وأنشدوا:
إذا ما الغانياتُ برزنَ يوماً     وزجَّجْنَ الحواجبَ والعُيُونا
والعيون لا تُزَجَّج وإنما تُكحل، وأنشدوا أيضاً:
وعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً    ..........................
وإما لكونه لا يمتنع أن يطوف الولدان عليهم بالحور، ويكون ذلك من جملة ما يتنعّمون به ويُكرَمون بسببه.

ومن رفع فعلى معنى: وهناك حُورٌ، أو ولهم حور.

ومن نصب فعلى معنى: ويعُطون حوراً، هُنَّ في صفاء الألوان { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } في أصدافه، لم يتغير بمسّ الأيدي، ولم يتأثر بطول الاستعمال.

قوله تعالى: { جَزَآءً } مفعول له.

قوله تعالى: { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } قد سبق معنى اللغو والسلام عند قوله: { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً... سَلاَماً } في مريم، ومعنى " التأثيم " في الطور.

وقوله: { سَلاَماً } بدل من [ " قِيلاً " ]، بدليل الآية المذكورة في مريم، أو مفعول به لـ " قيلاً " ، على معنى: لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاماً سلاماً.