قوله تعالى: { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } أي: تصدّعت من المجرة لنزول الملائكة يوم القيامة، { فَكَانَتْ وَرْدَةً } قال الزجاج: كلون فرسٍ وردَةٍ، والكُمَيْتُ: [الوردُ] يتلوّن فيكون لونه في الشتاء خلاف لونه في الصيف، ولونه في الفصل خلاف لونه في الشتاء والصيف. فالسماء تتلوّن من الفزع الأكبر. وقال ابن قتيبة: فكانت حمراء في لون الفرس الورد. وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك والربيع وجمهور المفسرين. وقيل: هي وردة النبات. وقد تختلف ألوانها، إلا أن الأغلب عليها الحُمْرة. قال قتادة: هي اليوم خضراء كما ترون، ولها يوم القيامة لون آخر إلى الحُمْرة. { كَٱلدِّهَانِ } جمع دُهْن. قال عطاء بن أبي رباح: كعصير الزيت يتلوّن في الساعة ألواناً. وقال الحسين بن الفضل: كصبيب الدهن يتلوّن. قال الفراء: شَبَّهَ تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل، وشبّه الورد في اختلاف ألوانه بالدهن واختلاف ألوانه. قال ابن جريج: تذوب السماء كالدُّهن الذائب، وذلك حين يُصيبها حَرّ جهنم. وقال ابن عباس وابن السائب: الدهان: الأديم الأحمر. قوله تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } قال ابن عباس: لا يسأل بعضهم بعضاً؛ لاشتغال كل واحد بنفسه. وقال في رواية أخرى: لا يسألون ليعلم حالهم؛ لأن الله أعلم منهم بذلك. وقال الزجاج: لا يسأل أحد عن ذنبه ليستفهم، ولكنه يسأل سؤال توبيخ. وقد نقل نحوه عن ابن عباس أيضاً. وبهذه الأقوال يتبين لك أن لا مناقضة بين هذه الآية وبين قوله:{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 92]. والجانّ: أبو الجن. وقد ذكرناه [فيما] مضى. والمعنى: لا يسأل بعض من الإنس ولا بعض من الجن، فوضع " الجان " موضع الجن، كما يقال: تميم، والمراد: أولاده. قوله تعالى: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } وهو سواد الوجوه، وزُرْقَةُ العيون، بدليل قوله:{ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]، وقوله:{ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [طه: 102]. { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } وهي جمع ناصية، وهي مُقدَّم الرأس. قال الضحاك: يُجمع بين قدميه وناصيته في سلسلة من وراء ظهره. وقيل: تسحبهم الملائكة تارة بأخذ النواصي وتارة [بالأقدام]. قال مردويه الصائغ: صلى بنا الإمام صلاة الصبح، فقرأ سورة الرحمن، ومعنا علي بن الفضيل بن عياض، فلما قرأ الإمام: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } [خَرَّ] مغشياً عليه حتى فرغنا من الصلاة. فلما كان بعد ذلك قلنا له: أما سمعت الإمام يقرأ:{ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [الرحمن: 72]؟ قال: شغلني عنها: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ }. قوله تعالى: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } هو على إضمار القول، تقديره: يقال لهم إذا سُحبوا إليها تحقيراً وتعنيفاً وانتقاماً منهم: هذه جهنم. ثم أخبر عن حالهم فيها بقوله: { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } قال الحسن والفراء: قد بلغ منتهى حَرّه. قال قتادة: قد آنى طبخه منذ خلق الله السماوت والأرض. قال الزجاج: آنى يأنى فهو آنٍ؛ إذا انتهى حَرُّه. وقال ابن قتيبة: الحميم: الماء الحار، والآني: الذي انتهت شدة حَرّه. قال المفسرون: يطوفون بين الجحيم وبين الحميم، فإذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم الآني الذي قد صار [كالمهل]. قال كعب الأحبار: [ " آن " ]: وادياً من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم وهم في الأغلال، فيغمسون في ذلك الوادي، حتى [تنخلع] أوصالهم، ثم يخرجون وقد أحدث الله لهم خلقاً جديداً، فيُلقون في النار.