الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

قوله تعالى: { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } أي: تصدّعت من المجرة لنزول الملائكة يوم القيامة، { فَكَانَتْ وَرْدَةً } قال الزجاج: كلون فرسٍ وردَةٍ، والكُمَيْتُ: [الوردُ] يتلوّن فيكون لونه في الشتاء خلاف لونه في الصيف، ولونه في الفصل خلاف لونه في الشتاء والصيف. فالسماء تتلوّن من الفزع الأكبر.

وقال ابن قتيبة: فكانت حمراء في لون الفرس الورد. وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك والربيع وجمهور المفسرين.

وقيل: هي وردة النبات. وقد تختلف ألوانها، إلا أن الأغلب عليها الحُمْرة.

قال قتادة: هي اليوم خضراء كما ترون، ولها يوم القيامة لون آخر إلى الحُمْرة.

{ كَٱلدِّهَانِ } جمع دُهْن.

قال عطاء بن أبي رباح: كعصير الزيت يتلوّن في الساعة ألواناً.

وقال الحسين بن الفضل: كصبيب الدهن يتلوّن.

قال الفراء: شَبَّهَ تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل، وشبّه الورد في اختلاف ألوانه بالدهن واختلاف ألوانه.

قال ابن جريج: تذوب السماء كالدُّهن الذائب، وذلك حين يُصيبها حَرّ جهنم.

وقال ابن عباس وابن السائب: الدهان: الأديم الأحمر.

قوله تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } قال ابن عباس: لا يسأل بعضهم بعضاً؛ لاشتغال كل واحد بنفسه.

وقال في رواية أخرى: لا يسألون ليعلم حالهم؛ لأن الله أعلم منهم بذلك.

وقال الزجاج: لا يسأل أحد عن ذنبه ليستفهم، ولكنه يسأل سؤال توبيخ.

وقد نقل نحوه عن ابن عباس أيضاً.

وبهذه الأقوال يتبين لك أن لا مناقضة بين هذه الآية وبين قوله:فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 92].

والجانّ: أبو الجن. وقد ذكرناه [فيما] مضى.

والمعنى: لا يسأل بعض من الإنس ولا بعض من الجن، فوضع " الجان " موضع الجن، كما يقال: تميم، والمراد: أولاده.

قوله تعالى: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } وهو سواد الوجوه، وزُرْقَةُ العيون، بدليل قوله:وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]، وقوله:وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [طه: 102].

{ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } وهي جمع ناصية، وهي مُقدَّم الرأس.

قال الضحاك: يُجمع بين قدميه وناصيته في سلسلة من وراء ظهره.

وقيل: تسحبهم الملائكة تارة بأخذ النواصي وتارة [بالأقدام].

قال مردويه الصائغ: صلى بنا الإمام صلاة الصبح، فقرأ سورة الرحمن، ومعنا علي بن الفضيل بن عياض، فلما قرأ الإمام: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } [خَرَّ] مغشياً عليه حتى فرغنا من الصلاة. فلما كان بعد ذلك قلنا له: أما سمعت الإمام يقرأ:حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [الرحمن: 72]؟ قال: شغلني عنها: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ }.

قوله تعالى: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } هو على إضمار القول، تقديره: يقال لهم إذا سُحبوا إليها تحقيراً وتعنيفاً وانتقاماً منهم: هذه جهنم.

ثم أخبر عن حالهم فيها بقوله: { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } قال الحسن والفراء: قد بلغ منتهى حَرّه.

قال قتادة: قد آنى طبخه منذ خلق الله السماوت والأرض.

قال الزجاج: آنى يأنى فهو آنٍ؛ إذا انتهى حَرُّه.

وقال ابن قتيبة: الحميم: الماء الحار، والآني: الذي انتهت شدة حَرّه.

قال المفسرون: يطوفون بين الجحيم وبين الحميم، فإذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم الآني الذي قد صار [كالمهل].

قال كعب الأحبار: [ " آن " ]: وادياً من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم وهم في الأغلال، فيغمسون في ذلك الوادي، حتى [تنخلع] أوصالهم، ثم يخرجون وقد أحدث الله لهم خلقاً جديداً، فيُلقون في النار.