قوله تعالى: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً وعبد الوارث عن أبي عمرو: " سَيَفْرُغُ لكم " بالياء، حملاً على قوله: " وله الجواري " ، إلا أن الحلبي عن عبد الوارث زاد: ضم الياء وفتح الراء. وقرأ الباقون من العشرة بالنون وضم الراء. وقد سبق ذكر اختلافهم في " أيها الثقلان ". قال المفسرون: هذا وعيدٌ من الله وتهديدٌ منه لعباده. قال الزجاج: تقول: سَأَفْرَغُ لفلان، أي: سأجعله قصدي. فمعنى الآية: سيقصد لحسابكم. والثَّقَلان: الإنس والجن، سُمِّيا بذلك؛ لأنهما ثقلا الأرض. ويدل على ذلك قوله: { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ } الأقْطَار: النواحي. قال ابن عباس: المعنى: إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض. وقيل: إن استطعتم أن [تخرجوا] من ملكوتي ومن سمائي وأرضي وتهربوا من قضائي وقدري، فلا يدركم الموت ولا ما تكرهونه من مرض وفقر وغيرهما، فانفذوا. { لاَ تَنفُذُونَ } أي: لا تقدرون على ذلك { إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } أي: بقدرة تتسلطون بها على ما تريدون، وأنّى لكم ذلك وأنتم خلقي وتحت سلطاني وفي قبضتي. وقيل: المعنى: لا تنفذون إلا في سلطاني وملكي. قوله تعالى: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا } أي: على الكفار من الثقلين { شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ }. قرأ ابن كثير: " شِواظٌ " بكسر الشين، وضَمَّها الباقون. وهما لغتان بمعنى واحد, وهو اللهب الخالص. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " ونحاسٍ " بالجر، عطفاً على " نار ". وقرأ الباقون بالرفع، عطفاً على " شُواظ ". والنحاس - بالحركات الثلاث على النون -: الدخان. وأنشدوا للنابغة الجعدي:
تُضيءُ كضوءِ سِراج السَّليـ
ـط لم يجعل اللهُ فيه نُحَاسا
أي: دخاناً. وقيل: النُّحاس: الصُّفْر المذاب يُصب على رؤوسهم. والقولان عن ابن عباس. قال ابن عباس: [إذا] خرجوا من قبورهم ساقهم شواظ إلى المحشر. وجاء في الحديث: " يُحاط على الخلق بلسان من نار، ثم ينادون: { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ... } الآية، وذلك قوله: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ } ".