الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } * { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } * { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ } * { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } * { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } * { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } أي: بالرسل.

وقد ذكرنا فيما مضى أن المكذِّب لرسول واحد مكذِّب لجميع الرسل.

وقيل: النذر بمعنى [الإنذار. والمعنى]: كذبت ثمود [بالإنذار] الذي جاءهم به صالح.

{ فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا } منصوب بفعل مضمر، يفسره ما بعده [وهو: { نَّتَّبِعُهُ } ].

وقرأ أبو [السمَّال] العدوي: " أبَشَرٌ " بالرفع، " واحِدَاً " بالنصب.

قال أبو الفتح: " بَشَرٌ " عندي مرتفع بفعل يدل عليه قوله تعالى: { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } كأنه قال: أيُنَبَّأ، أو أيُبعث بَشَر منا.

وأما انتصاب " واحداً "؛ فإن شئت جعلته حالاً من الضمير في [ " مِنَّا " أي: أيُنَبَّأُ بَشَرٌ كائن مِنَّا؟ والناصب لهذه الحال الظرف، كقولك: زيد في الدار جالساً.

وإن شئت جعلته حالاً من الضمير في] قوله: " نَتَّبِعه " ، أي: نتبعه واحداً منفرداً لا ناصر له.

وقال الزمخشري: قرئ: " أبشرٌ منا واحدٌ " على الابتداء، و " نتبعه " خبره.

فإن قيل: ما مرادهم بقولهم: " منا "؟

قلتُ: الذي يظهر لي: أنهم أرادوا انتظامه معهم في سلك المساواة في البشرية والقبيلة، كأنهم قالوا: نتبع بشراً، ثم مع كونه بشراً هو رجل منا لا امتياز له علينا بوجه من الوجوه.

وقَلَّ أن ترى مثل هذا التدقيق والتحقيق في تفسير، فإذا قرأته فادْعُ بالرحمة والمغفرة لمن أسهَر فيه ناظره، وأتعب في استثماره خاطره.

واعلم أنني بعد ذلك رأيت بعض نَحارِير العلماء قد ألمّ بهذا المعنى، فحمدتُ الله على مماثلته في التوفيق، [لإصابة] جهة التحقيق.

{ إِنَّآ إِذاً } إن فعلنا ذلك { لَّفِي ضَلاَلٍ } عن الصواب { وَسُعُرٍ } أي: جنون.

قال الفراء: يقال: نَاقَةٌ مسعورةٌ؛ إذا كانت خفيفة الرأس، هائمةً على وجهها.

قال الشاعر يصف ناقته:
تَخَالُ بها [سُعْراً] إذا العيسُ هزَّها   ذميلٌ [وإيضاعٌ من السَّيْر] مُتْعِبُ
العِيس: الإبل البيض وفي بياضها ظُلمة خفيفة. يريد: تَخَالُ بها من شدة نشاطها وسرعة مشيها جُنوناً. وهذا التفسير منقول عن ابن عباس وكثير من المفسرين.

وقيل: السُّعُر: وقود النار.

ثم في تأويل ذلك وجهان:

أحدهما: أنه كقول من وقع في [خَطْبٍ] عظيم وعذاب أليم: أنا في النار، يريد: تشبيه حاله في الألم بحال من يُعذّب بالنار ويحرق بها.

الثاني: أنهم عكسوا على صالح ما كان يتوعدهم به إن لم يتبعوه من نار جهنم، فقالوا على طريقة الفَرَض والتقدير: إن اتبعناك كنا إذاً في ضلال وسُعُر.

ثم أنكروا اختصاصه من بينهم بالنبوة والرسالة فقالوا: { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ } أي: أنزل { عَلَيْهِ } الوحي { مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } بَطِرٌ متكبّر، حمله كبره على الكذب في [ادعاء] النبوة ليتعظَّم علينا بها.

وقرأ مجاهد: " أَشُر " بضم الشين، وهما لغتان، مثل: حَذِر وحَذُر، ويَقِظ ويَقُظ، وعَجِل وعَجُل.

السابقالتالي
2