قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أي: كذبت قبل أهل مكة { قَوْمُ نُوحٍ } قال صاحب الكشاف: إن قلت: ما معنى قوله: { فَكَذَّبُواْ } بعد قوله: { كَذَّبَتْ }؟ قلتُ: معناه: كذبوا فكذبوا عبدنا، أي: كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب، كلما مضى منهم قرن [مُكذّب] تبعه قرن مُكذّب. أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا، أي: لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة: كذبوا نوحاً؛ لأنه من جملة الرسل. { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } أي: هو مجنون { وَٱزْدُجِرَ }. قال المفسرون: زجروه عن دعوته بالشتم والوعيد. { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ } أي: بأنّي. وقرأ [عيسى] بن عمر: " إني " بكسر الهمزة، على إرادة القول، أو لتضمُّن الدعاء معنى القول. { فَفَتَحْنَآ } وشدّد التاء ابن عامر. قال علي عليه السلام: إن أبواب السماء فُتحت بالماء من المجرّة، وهي شَرْجُ السماء. { أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } مُنْصَبٌّ بسرعة في كثرة. { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } تقديره: بعيون، فحذف الجار، وإن شئت كان " عيوناً ": تمييزاً، أو حالاً، وإن شئت كان التقدير: وفجرنا من الأرض عيوناً. قال المفسرون: جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوماً، وفجرت الأرض من تحتهم أربعين يوماً. { فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } النازل من السماء والنابع من الأرض. وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء وعاصم الجحدري: " الماءان " ، أي: النوعان من الماء؛ السمائي، والأرضي. وقرأ ابن مسعود: " المايان " بقلب الهمزة ياء. وقرأ الحسن: " الماوان " بقلب الهمزة واواً، كقولهم: علباوان. { عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي: قضي عليهم. وقال مقاتل: قدّر الله أن يكون [الماءان] سواء، فكانا على قَدَر. { وَحَمَلْنَاهُ } يعني: نوحاً { عَلَىٰ } سفينة { ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }. قال الزجاج: الدُّسُر: المسامير والشُّرط التي تُشدُّ بها الألواح، وكل شيء كان نحو السَّمْر، أو إدخال شيء في شيء بقوّة وشِدِّة فهو الدَّسْر، يقال: دَسَرْتُ المسمار أَدْسُرُهُ دَسْراً. والدُّسُرُ: واحدها: دِسَار، نحو: حِمَار وحُمُر. وقال عكرمة: الدُّسر: صدر السفينة الذي يَدْسُرُه الموج. { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي: بمرأى منا. وقال الضحاك: بأمرنا. وقيل: بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها. والأول أصح. { جَزَآءً } مفعول له، أي: فعلنا ذلك جزاء { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } وهو نوح عليه السلام، على معنى: مكافأة لنوح حين كفر به قومه، وأفرطوا في أذاه، فصبر عليهم. وقال السدي: جزاء لتكذيبهم نوحاً. قال ابن جني: تأويله: جزاء لهم لكفرهم بنوح. واللام الأولى التي هي مفعول بها محذوفة، واللام الثانية الظاهرة في قوله: { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } [لام المفعول له. وهناك مضاف محذوف، أي: جزاء لهم، لكفر من كُفِر]، أي: لكفرهم بمن كفروا به. وقرأ جماعة؛ منهم: مجاهد وقتادة: " كَفَر " بفتح الكاف والفاء، على معنى: جزاءً للكافرين. { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا } يعني: الفعلة [أو السفينة] { آيَةً } يعتبر بها.