الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أي: كذبت قبل أهل مكة { قَوْمُ نُوحٍ } قال صاحب الكشاف: إن قلت: ما معنى قوله: { فَكَذَّبُواْ } بعد قوله: { كَذَّبَتْ }؟

قلتُ: معناه: كذبوا فكذبوا عبدنا، أي: كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب، كلما مضى منهم قرن [مُكذّب] تبعه قرن مُكذّب. أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا، أي: لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة: كذبوا نوحاً؛ لأنه من جملة الرسل.

{ وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } أي: هو مجنون { وَٱزْدُجِرَ }.

قال المفسرون: زجروه عن دعوته بالشتم والوعيد.

{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ } أي: بأنّي.

وقرأ [عيسى] بن عمر: " إني " بكسر الهمزة، على إرادة القول، أو لتضمُّن الدعاء معنى القول.

{ فَفَتَحْنَآ } وشدّد التاء ابن عامر.

قال علي عليه السلام: إن أبواب السماء فُتحت بالماء من المجرّة، وهي شَرْجُ السماء.

{ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } مُنْصَبٌّ بسرعة في كثرة.

{ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } تقديره: بعيون، فحذف الجار، وإن شئت كان " عيوناً ": تمييزاً، أو حالاً، وإن شئت كان التقدير: وفجرنا من الأرض عيوناً.

قال المفسرون: جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوماً، وفجرت الأرض من تحتهم أربعين يوماً.

{ فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } النازل من السماء والنابع من الأرض.

وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء وعاصم الجحدري: " الماءان " ، أي: النوعان من الماء؛ السمائي، والأرضي.

وقرأ ابن مسعود: " المايان " بقلب الهمزة ياء.

وقرأ الحسن: " الماوان " بقلب الهمزة واواً، كقولهم: علباوان.

{ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي: قضي عليهم.

وقال مقاتل: قدّر الله أن يكون [الماءان] سواء، فكانا على قَدَر.

{ وَحَمَلْنَاهُ } يعني: نوحاً { عَلَىٰ } سفينة { ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }. قال الزجاج: الدُّسُر: المسامير والشُّرط التي تُشدُّ بها الألواح، وكل شيء كان نحو السَّمْر، أو إدخال شيء في شيء بقوّة وشِدِّة فهو الدَّسْر، يقال: دَسَرْتُ المسمار أَدْسُرُهُ دَسْراً. والدُّسُرُ: واحدها: دِسَار، نحو: حِمَار وحُمُر.

وقال عكرمة: الدُّسر: صدر السفينة الذي يَدْسُرُه الموج.

{ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي: بمرأى منا.

وقال الضحاك: بأمرنا.

وقيل: بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها.

والأول أصح.

{ جَزَآءً } مفعول له، أي: فعلنا ذلك جزاء { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } وهو نوح عليه السلام، على معنى: مكافأة لنوح حين كفر به قومه، وأفرطوا في أذاه، فصبر عليهم.

وقال السدي: جزاء لتكذيبهم نوحاً.

قال ابن جني: تأويله: جزاء لهم لكفرهم بنوح. واللام الأولى التي هي مفعول بها محذوفة، واللام الثانية الظاهرة في قوله: { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } [لام المفعول له. وهناك مضاف محذوف، أي: جزاء لهم، لكفر من كُفِر]، أي: لكفرهم بمن كفروا به.

وقرأ جماعة؛ منهم: مجاهد وقتادة: " كَفَر " بفتح الكاف والفاء، على معنى: جزاءً للكافرين.

{ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا } يعني: الفعلة [أو السفينة] { آيَةً } يعتبر بها.

السابقالتالي
2