الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } * { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } * { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } * { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } * { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } * { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } * { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } * { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } * { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } * { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } * { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }

{ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } وهو جبريل صلى الله عليه وسلم.

ومن آثار قوته: اقتلاعه قرى قوم لوط حاملاً لها على جناحه، رافعاً لها إلى السماء، وصياحه بثمود فأصبحوا جاثمين.

{ ذُو مِرَّةٍ } حصافة في عقله ورأيه، ومتانة في دينه.

وقال أكثر المفسرين: ذو شِدَّة في خلقه.

{ فَٱسْتَوَىٰ * وَهُوَ } أي: استوى جبريل ومحمد { بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } ، ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم. فتكون الواو في " وهو " عاطفة على الضمير في " استوى " غير مؤكد، كقول الشاعر:
ألمْ تَرَ أنَّ النبْعَ يَصْلُبُ عُودُه     ولا يَسْتَوي والخِرْوَعُ المتَقَصِّفُ
وعليه حملوا أيضاً قوله تعالى:أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ } [النمل: 67].

وقيل: فاستوى جبريل، أي: استقام وهو بالأفق الأعلى على صورته الحقيقية التي جُبل عليها، فإنه كان يتمثل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبط عليه في صورة رجل، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظره في صورته الملكيّة التي خلق عليها، فاستوى في أفق المشرق فملأ الأفق.

قال مجاهد: " الأفق الأعلى ": مطلع الشمس.

وقال غيره: إنما قيل: الأعلى؛ لأنه فوق جانب المغرب في صعيد الأرض، لا في الهواء.

قال المفسرون: سأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ أن يريه نفسه في صورته التي خُلق عليها، فأراه نفسه مرتين، مرة في الأرض، ومرة في السماء. فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى، وذلك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بحراء، فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشياً عليه، فنزل جبريل في صورة الآدميين، فضمّه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه. وأما في السماء فعند سدرة المنتهى.

وفي الصحيحين من حديث عائشة: " ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين ".

فعلى هذا القول، يكون الواو في " وهو " للحال.

قوله تعالى: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } قال الفراء: المعنى: ثم تدلى فدنا، ولكنه جائز أن تُقدّم أيّ الفعلين شئت إذا كان المعنى فيهما واحداً، تقول: دنا فقرُب وقرُب فدنا، وشَتَم فأساء وأساء فشتم.

وقال الزجاج: " دنا " بمعنى: قَرُبَ، " فتدلى ": زاد في القُرْب. ومعنى اللفظين واحد.

وفي المشار إليه بقوله: " دنا " ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الله عز وجل. ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: " دنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ".

وقال ابن عباس: دنا ربه فتدلى. وهو اختيار مقاتل قال: دنا الرب عز وجل من محمد صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى.

السابقالتالي
2 3 4 5