الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } * { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } * { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } * { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ }

قوله تعالى: { فَذَكِّرْ } أي: عِظْ بالقرآن وخَوِّف به.

ثم نفى عنه ما قرفوه به فقال تعالى: { فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } أي: بإنعامه عليك { بِكَاهِنٍ } تخبرهم بالمغيبات من غير وحي. والكاهن: الذي له رِئيٌّ من الجن يخبره بالأمور المغيَّبة، يقال: كَهَنَ يَكْهَنُ كِهَانَةً، مثل: كَتَبَ يَكْتُبُ كِتابةً.

واعلم أن " أم " هاهنا في أوائل هذه الآي من قوله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ } إلى قوله:أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } [الطور: 43] منقطعة، بمعنى: بل والهمزة.

قال أبو الفتح: هذا هو الموضع الذي يقول أصحابنا [فيه]: أن " أم " المنقطعة بمعنى: بل، للترك والتحول، إلا أن ما بعد " بلْ " متيقَّن، وما بعد " أمْ " مشكوك فيه ومسؤول عنه، كقول علقمة:
هلْ ما علمتَ وما استودعتَ مكتومُ    أم حبلُها إذْ نَأتْكَ اليومَ مَصْرُوم
أي: بل أيقولون شاعر، بل أتأمرهم، بل أهم قوم طاغون، أخرجه مخرج الاستفهام، وإن كانوا عنده قوماً طاغين؛ تلعُّباً بهم، وتهكماً عليهم، [وهذا] كقول الرجل لصاحبه الذي لا يشك في جهله: أجاهل أنت؟ توبيخاً له، وتقبيحاً عليه. قوله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ } أي: هو شاعر { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ }.

قال ابن عباس: ننتظر به الموت، وأنشد:
تَرَبَّصْ بها ريبَ المنون لعلَّها    تُطَلَّقُ يَوْماً أوْ يموتُ حَلِيلُها
وقال مجاهد وابن قتيبة: حوادث الدهر. وأنشد ابن قتيبة قول أبي ذؤيب الهذلي:
أمِنَ [المنون] ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ    والدهرُ ليسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
وقال غيره: المنون يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى الموت، سميا بذلك؛ لأنهما ينقضان الأمل، ويقطعان الأجل.

قوله تعالى: { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ } قال المفسرون: كانت عظماء قريش تُوصف بالأحلام والعقول، فأزرى الله حلومهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل.

قيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقل؟ فقال: تلك عقول كادها الله، [أي]: لم يصحبها التوفيق.

قرأ مجاهد: " بل هم قوم طاغون ".

قال ابن عباس: حملهم طغيانهم على تكذيبك.

{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } افتعله من تلقاء نفسه { بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } فلذلك يرمونك بهذه المطاعن البعيدة من أخلاقك الكريمة، وأوصافك الحميدة.

ثم تحداهم بقوله تعالى: { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } أي: مثل القرآن في رصانة مبانيه وصحة معانيه.

وقرأ أبو رجاء وأبو نهيك والجحدري: " بحديثِ مثله " بغير تنوين على الإضافة، على معنى: بحديث مثل محمد، أي: بحديث رجل من العرب مثل محمد، { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } أنه تقوَّله.