الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } * { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } * { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

قوله تعالى: { كَذَلِكَ } أي: الأمر كذلك، أو الأمر مثل ذلك. والإشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ساحراً ومجنوناً. ثم فسره فقال: { مَآ أَتَى... } الآية.

قوله تعالى: { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } الضمير للقول، على معنى: أتَواصَى الأولون والآخرون بهذا القول حتى اتفقوا عليه. والاستفهام للتوبيخ.

ثم أضرب عن ذلك فقال: { بَلْ } أي: لم يتواصوا به، وأثبت لهم الاشتراك في الطغيان فقال: { هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }.

{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أعرض عن هؤلاء الذين دَأَبْتَ في مناصحتهم ودعائهم إلى توحيدنا وهم يعاندونك ويباعدونك، وهذا تهديد لهم، { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } إذا بذلت مجهودك في تبليغ رسالتنا ونهضت بأعباء دعوتنا.

{ وَذَكِّرْ } أي: لا تدع مع ذلك التذكير والموعظة.

قال ابن عباس وجمهور المفسرين: لما نزلت هذه الآية: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وظنوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، حتى نزلت الآية الثانية: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

قال مقاتل: عِظْ كفار مكة، فإن الذكرى تنفع من في علم الله أنه يؤمن.

وقيل: تنفعهم في دينهم.

قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } قال علي عليه السلام: لآمرهم أن يعبدون. واختاره الزجاج.

وقال ابن عباس: ليقرّوا لي بالعبودية طوعاً وكرهاً.

وقال الضحاك والفراء وابن قتيبة والقاضي أبو يعلى: هذا خاص في المؤمنين.

قال سعيد بن المسيب: ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني.

قال القاضي أبو يعلى: معنى هذا: الخصوص؛ لأن البُلْه والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب وإن كانوا من الإنس، وكذلك الكفار يخرجون من هذا، بدليل قوله تعالى:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [الأعراف: 179]، فمن خلق للشقاء ولجهنم لم يخلق للعبادة.

وقال جماعة من أهل المعاني: ما خلقتهم إلا ليخضعوا ويذلوا لي، وكلّ الخلق خاضعٌ ذليلٌ لعزة الله تعالى.

{ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } أي: ما أريد منهم أن يرزقوا أحداً من خلقي، ولا أن يرزقوا أنفسهم، وما أريد أن يطعموا أحداً من خلقي.

وإنما أسند الإطعام إلى نفسه؛ لأن الخلق عيال الله, فمن أطعم عيال الله فقد أطعم الله، ومنه الحديث: " استطعمتك فلم تطعمني ".

{ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } وقرأ الضحاك وابن محيصن: " الرَّازق ".

قال الخطابي: المُتَكَفِّلُ بالرِّزْقِ، القائم على كل نَفْسٍ بما يُقيمُها من قُوتِها، والمتين: الشديد القوة.

وقرأ أبو رزين وقتادة وأبو العالية والأعمش وقتيبة عن الكسائي: " المتينِ " بكسر النون.

قال الزجاج: جعل " المتين " صفة للقوة؛ لأن تأنيث القوة كتأنيث الموعظة. فالمعنى: ذو [الاقتدار] الشديد.

قوله تعالى: { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني: مشركي مكة { ذَنُوباً } نصيباً من العذاب { مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } الذين كانوا على مثل رأيهم في الشرك وتكذيب الرسل.

قال الفراء وابن قتيبة والزمخشري: الذَّنُوب: الدَّلْوُ العظيمة. وهذا تمثيل، أصله في السُّقَاة يتقسّمون [الماء]، فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب. قال:
لنا ذنوبٌ ولكمْ ذنوبُ     فإن أبيتمْ فلنا [القَليبُ]
والذَّنُوب يذكر ويؤنث.

{ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } بالعذاب، فإني قد أمهلتهم إلى يوم القيامة، يدل عليه قوله تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } وهو يوم القيامة.

وقيل: يوم بدر. والله تعالى أعلم.